لو ظل الشهيد وصفي التل حيا، لكان عمره اليوم 100 عام بالتمام والكمال. غير ان الظلم الذي لحق به واسفر عن اغتياله، سيجعله يعيش مئات الأعوام!
الضابط الشاب وصفي التل الذي سُرّح من الخدمة في الجيش البريطاني لميوله القومية، والذي انضم لاحقا الى حركة القوميين العرب والذي قاتل مع جيش الانقاذ في فلسطين عام 1948، هو من رفع شعار "عمان هانوي العرب وقاعدةُ ومنصةُ انطلاق العمل العربي لتحرير فلسطين".
وصفي التل، الذي تميز بنظافة الحكم ورشده وبشفافيته وبايلاء الطبقات المسحوقة الرعاية والعناية والاهتمام، هو نجل عرار، المناضل الطبقي والوطني والقومي، نصير المظلومين والمحرومين وخصم المرابين والسماسرة والفاسدين، واول من نبّه الى خطر وعد بلفور والغزوة الصهيونية في قصائده:
"… إن بلفور أنفذ وعده…
كم مسلم يبقى وكم نصراني"
مضى وصفي الى مصيره بإقدام من يؤمن بالقضاء والقدر عندما قال لنذير رشيد مدير المخابرات العامة آنذاك وهو يحذره من مؤامرة تنتظره ان سافر الى القاهرة: "ما حدا بموت ناقص عمر".
بالتأكيد كان وصفي قد اكتمل وكانت المؤامرة قد اكتملت.
لو لم يتم اغتيال وصفي التل في القاهرة قبل 48 سنة، لمات قبل 10 او 20 او 30 سنة، من اليوم، في حادثة سيارة على طريق الجنوب الذي احبه، او قهرا على أحوال الأمة العربية التي كانت أكبر همومه، او بجلطة اصابت قلبه الشجاع، قهرا على صعود السماسرة والفاسدين هذا الصعود الشاقولي.
تنطوي شخصية وصفي وسيرته على مآثر ومناقب متعددة، محفوفة بالاحترام والشغف بالقيم والتعلق بالمُثل والتوقف مليًا امام تراجيديا الظلم.
لقد بذل الشهيد جهده من اجل عدم دخول الأردن حرب حزيران سنة 1967 خشية على بقية فلسطين من الإحتلال وليقينه بعدم استعداد الدول العربية لمواجهة إسرائيل. لقد وصفها بأنها "حرب قبل اوانها".
كانت التقديرات تتوقع سقوط الضفة الغربية إن دخَل الأردنُ الحرب. وإن لم يدخل الحرب، فستسقط الضفة الغربية والنظام والكيان. لأن الاحتجاجات الشعبية ستندلع وستُحمّل النظامَ السياسي جريمة خذلان مصر وسوريا وهزيمة حزيران !!.
بعد ان وقعت الهزيمة واحتلت إسرائيلُ الضفةَ الغربية وقطاع غزة والقدسَ والجولان وسيناءَ، دعا وصفي الى رفض وقف اطلاق النار لأن "الحل السلمي تكريس للاحتلال" !!
إن جوهر المقاتل المغوار وصفي التل الذي لم يكتمل - والذي من الطبيعي ان لا يكتمل- تمثله شهادة رفيقه معالي عدنان أبو عودة:
"ان وصفي الذي قُتل، هو وصفي فلسطين ووصفي الأردن، ويجب تكذيب كل من يدعون غير ذلك".
وشهادة دولة طاهر المصري: "أراد وصفي العمل الفدائي عملاً مستقلا، لكن الأمور سارت على غير ذلك، وسادت الفوضى".