نيروز الاخبارية : بقلم الدكتور قاسم جميل العمرو
الاجراءات الاخيرة التي اتخذتها الحكومة تؤشر الى تغيير جوهري وفهم عميق لحالة الوعي التي تنتاب الشعب الذي لم يعد تنطلي عليه كل الحجج والادعاءات السابقة، وتعود بي الذاكرة الى الوراء لاستحضر موقف الحكومة من مطالب المعلمين عندما وضعت الف عصاه في دولاب الوصول الى تلبية مطالب النقابة حتى جاءت الاستجابة متأخرة ولكن هذه المرة بتوجيه من جلالة الملك، علما بان رئيس الحكومة حين اعلانة الموافقة على منح المعلمين الزيادة أطل علينا وزادنا احباطا بانه وجه وزير ماليته السابق للبحث عن قروض لسد العجز في الموازنة الناتج عن 65 مليون قيمة العلاوة. كنت قد كتبت أكثر من مرة وتعاطفت مع المطالب المهنية للنقابة بتحسين ظروف معيشة المعلم في الوقت الذي تنكب المتنفعين الذين يتقاضون الاف الدنانير شهريا من الدولة رواتب وعضوية مجالس ادارات وتنفيعات من هنا وهناك وانكروا حق المعلمين لا بل تم توجيه اتهامات سياسية لهم في محاولة للالتفاف على مطالبهم . حالة الوعي الجمعي لدى شرائح المجتمع وتوجيهات الملك انتجت مشروع الحزم الاقتصادية التي تبنتها وأطلقتها الحكومة في متتاليات لم نفهم بعض طلاسمها، للنهوض بالاقتصاد الوطني وتحسين الاداء وتحسين ظروف معيشة المواطن الذي أكل تضخم الاسعار راتبه المحدود والثابت منذ عشرة اعوام تقريبا، والشريحة الاكثر فقرا وعوزاً وحاجة هي شريحة المتقاعدين المدنيين والعسكريين، اذاعترفت الحكومة والابتسامة تعلو وجه مدير التقاعد مستغربا ان هناك رواتب تقاعدية بحدود المائتين دينار، علما بان كل الرواتب بحدود علمه . الزيادات التي تم الاعلان عنها غير كافية وان كانت خطوة بالاتجاه الصحيح لالغاء الفوارق بين ابناء الوطن الواحد، وتحقيق الحد الادنى من العدالة الاجتماعية التي غابت طويلا بحكم تصرفات إدارات متعاقبة لهثت خلف مصالحها الشخصية وخلف مصالح الدوائر الضيقة التي تحيط بهم. اليوم الشعب واعٍ ومنفتحٍ ومدركٍ ويقرأ مابين السطور، ولا تنطلي عليه الحجج ويستقبل الاف المعلومات المتدفقة من كل الاتجاهات، رغم ان كثيرا منها لا يعنيه لانه يريد الحفاظ على استقرار الوطن ولن تنطلي عليه الخدع من بعض الذين رهنوا أنفسهم لتفتيف المجتمع والدولة لغايات واحقاد شخصية، كما لا ينفع الاختباء وراء ادعاءات غير مفهومة ولا يمكن تبرير سياسة حكومة تدعي العجز بالموازنة وقد بلغت مصاريفها الترفية الى ارقام خيالية وهل يعقل ان لدينا موظفين يتقاضى بعضهم رواتب أكثر من 30 الف دينار شهريا. فكرة ربط الرواتب التقاعدية بالتضخم مقبولة وجيدة لكن المشكلة ان معظم الناس لا يثقون بوعود الحكومة بناءً على تجارب سابقة، ولا بد من العمل على تعزيز الثقة من خلال تحديد الحد الادنى للرواتب بـ 400دينار للمتقاعدين على ان تلحقها الزيادات المرتبطة بتضخم الاسعار. على صعيد آخر كان توجيه الحكومة للضمان بصرف أموال المدخرين من صندوق التعطل خطوة لافتة وتحمل مضامين عديدة منها تحريك السوق بمناسبة الاعياد وفصل الشتاء اذ تم صرف 88 مليون دينار لغاية اليوم وبنفس الوقت ستحصل الحكومة على سيولة تقدر باكثر من 30 مليون دينار على شكل ضرائب. المطلوب من الحكومة اتخاذ قرار عاجل في هذا الاتجاه بإجبار شركة الكهرباء وشركة مياهنا بإعادة اموال التأمينات الى المشتركين لعدم وجود مبرر لبقائها في جيوب هذه الشركات وتقدر هذه الاموال بمئات ملايين الدنانير وفي حال اعادتها ستُضخ في السوق مما يحسن الحركة الشرائية وبنفس الوقت يعود الى خزينة الدولة ثلث هذه المبالغ على اقل تقدير. * استاذ العلوم السياسية جامعة البترا