بات لافتا، في الآونة الأخيرة، الاستهداف الممنهج للجبهة الداخلية الأردنية من خلال صناعة الإشاعة ومحاولات التلاعب بالأمن السيبراني في الأردن، وكأن المطلوب خلق حالة من الهلع والفوضى توطئة لإضعاف الأردن شعبا وحكومة لمآرب باتت مكشوفة لنا جمعيا. فحتى يتحول الأردن إلى دفة تتلاعب بها الأمواج لا بد من تشويه كل شيء في البلد من خلال نشر هذا الكم الهائل من الفيديوهات التي تعد بشكل دقيق وحرفي ولا يمكن أن تكون مصادفة.
تنتشر ظاهرة جديدة تتمثل في الإعلان عن وظائف في عدد من دول الخليج على شبكات التواصل الاجتماعي، ومن الطبيعي أن يتقدم عدد هائل من الأردنيين الباحثين عن عمل، وبخاصة أن مكان العمل الموعود سيكون في إحدى دول الخليج، ما يعني دخلا مقنعا. وعندما يقوم الشاب الأردني بتعبئة النموذج المطلوب ببيانات شخصية من ضمنها رقم الخلوي، تبدأ جهات معينة بإرسال عبر تطبيق "واتس آب” رسائل تحتوي على قدر كبير من الإشاعة والمعلومات المضللة تمس حياة شخصيات معينة.
الهدف من وراء مثل هذا السلوك لم يعد خافيا، فالمطلوب ألا يثق أي أردني بالآخر. وقد أرسل لي عدد من الأصدقاء فيديوهات وصلتهم من جهات خارجية ومن أرقام لا يعرفونها، وهذه الفيديوهات تحتوي على معلومات كاذبة، وبخاصة أنها تتعلق أحيانا بقضايا أعرف ما خفي منها.
للأسف الشديد، يأتي هذا الاستهداف للجبهة الداخلية الأردنية من قبل عدد قليل من الدول التي بات بعضها يرى بإسرائيل حليفا موثوقا ضد إيران، ويتزامن هذا الجهد مع ما يكتب في الصحافة الإسرائيلية من هجمة يمينية ممنهجة للنظام الأردني. فاليمين المهيمن على مفاصل القرار في الكيان الصهيوني يريد نشر الفوضى في الأردن من خلال التلويح بما يمكن أن تقوم به إسرائيل في حال استمر الأردن بسياسته الحالية. طبعا موقف اليمين الإسرائيلي إزاء الأردن ليس جديدا، لكن التصريح بما يمكن أن ينتظر النظام الأردني في قادم الأيام ما كان يمكن أن يرى النور في الصحافة الرسمية الإسرائيلية لولا تبلور انطباع عند الإسرائيليين بأن حاجة إسرائيل للأردن تبدلت نظرا لحالة الاختراق الإسرائيلي للعمق العربي من خلال التطبيع مع بعض الدول التي لا تقيم سلاما رسميا مع إسرائيل.
ستستمر هذه الحملة في الأيام المقبلة، وقد نسمع عن قصص ما أنزل الله بها من سلطان، لكن الرهان دائما على وعي الأردنيين الذين أثبتوا أنهم محصنون أمام هذا الغثاء من الإشاعات وحملات التشويه. لكن في الوقت ذاته تقع على عاتق الحكومة مسؤولية ممارسة عملها بشفافية، فغياب الشفافية يسهم بشكل كبير في خلق مناخ عام يقبل الإشاعة بصرف النظر عن صحتها. الراهن أن هناك ثقافة سمعية عند البعض الذي لا يكلف نفسه عناء التحقق من صدق ما ينشر من فيديوهات، وبالتالي يأخذ الأمور كما هي.
باختصار، أصبح الفضاء الأزرق مكانا رحبا لممارسة بعض الأعمال غير المشروعة مثل رقمنة الإشاعة، وهذا أمر بات يشكل تحديا كبيرا لدولة مثل الأردن. وعليه، ينبغي على القائمين على الأمن السيبراني ألا يعتقدوا بأن المشكلة هي فنية تعالج بطرق تقنية، بل هي مسألة استراتيجية تتعلق بالأمن الوطني الأردني.
وما يحاك للأردن يرتبط بشكل وثيق بما تفكر به بعض القيادات الإقليمية، فسلاح الإشاعة هو سلاح فعال يأتي في سياق الحرب النفسية أيضا. لست متأكدا من حالة الأمن السيبراني في الأردن، فالاختراقات السيبرانية أصبحت جزءا رئيسيا من مقاربات الحرب الحديثة، ما يعني أن البنى التحتية للأمن السيبراني ينبغي أن تكون على سلم الأولويات.