عندما اخترعت وابتكرت وسائل التواصل الاجتماعي كانت لدواع ودوافع وغايات سامية جمة، وهامة وايجابية في الوقت نفسه خدمة للبشرية والإنسانية ، وليس دون ذلك. فهي وسيلة ضرورية للانفتاح على العالم والمجتمع بعامته. ونكاد نجزم بأن تلك الوسائل أصبحت بالغة الأهمية في حياتنا اليومية حتى باتت الشغل الشاغل للكثيرين منا. فهي تسهم في تسريع إيصال رسائل المواطنين وافكارهم لبعضهم البعض وللدولة ، كما تلعب دورا هاما في نهضة المجتمعات وتطويرها، وحل مشكلاتها وتحدياتها احيانا أخرى، بايصال رسائلهم لصانع القرار دون وساطة او غيرها. وعلى الرغم من تعدد الإيجابيات، إلا أن بعض مواطنينا يصر دائما على القفز فوق تلك الغايات باستخدامها للاستهزاء والتشهير والقدح والذم واللمز والغمز لشخوص وفئات وغيرها، وكانت ايام الكورونا الأردنية الثلاثة الفائتة دليلا وشاهدا حيا على تلك التجاوزات التي تضر بالأمن الاجتماعي والوطني الأردني بعامة.
لقد ابدع الأردنيون كثيرا في الأيام الفائتة وبقوة ، بإتقان وحسن استخدامهم لمواقع التواصل الاجتماعي بصورايجابية ناصعة البياض، تمثلث واضحة منذ بدئ أزمة انتشار فيروس كورونا عالميا، بثنائهم ودعمهم لقرارات الحكومة وحرص مليكهم على حياة الإنسان الأردن وصحته وتعليمه. وتجسد حسن استخدامهم ذلك حينما اكدوا من تلقاء أنفسهم على "مسك اللسان"، بعدم ذهابهم وراء الإشاعات والترويج لمسالة او خلل بعينه، أو بالاساءة لشخص باسمه ، وبرز ذلك عندما نشروا حديث رسول الله (ص) على صفحاتهم حينما سئل الرسول (ص) ما النجاة؟ قال : "امسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك".
إشادات كثيرة هي تلك التي زينت صفحات مواقع تواصل الأردنيين من خلال لقطات لفيديوهاتهم او خواطرهم او بوستاتهم والتي توكد حرصهم على الأمن الوطني والاجتماعي، بالتزامهم بتعليمات الحكومة وإدارة الأزمة . وليس أبلغ وأنقى من تلك الصور الجميلة التي شاهدناها بتفائلهم وتفاخرهم واطمئنانهم وابتسامتهم لجنود الجيش العربي الأردني بانتشارهم المدائن والمداخل والمخارج لعاصمة وذلك حرصا من الدولة على سلامتنا.ولكننا رصدنا بالمقابل كثيرا من الصور المغايرة لذلك ، وأعتقد أن جزءا لا باس فيه منهم، ولكنه ليس بالكثير ، قد اساء استخدامها ولم يحسن توظيفها خدمة للأمن المجتمعي الوطني الأردني في هذه الأزمة التي هي بأمس الحاجة لذلك التكاتف والتعاضد لمعالجة الأزمة، لا لتفاقمها وتحول اتجاهاتها، وبرز ذلك ماثلا عندما اجازوا لأنفسهم وأطلقوا العنان لغيرهم بنشر فيديو لامرأة أردنية قادمة من السفر تلفظت بكلمة بقصد او عن غير قصد، ونشر كثير منهم لبوست يتعرض وينتقد شخصيات أردنية سياسية واقتصادية باسمائها ومناصبها بأنها لم تتبرع لوزارة الصحة لدعم جهودها في مواجهة فيروس كورونا. والاساءة لفئة بعينها تمثلت للحفل المقام باربد واهله. واستخدام كافة أشكال النقد والسخرية والتجريح والذي يعد ضرره اكثر من خدمته وفائدته لمجتمعنا.
كلنا فداء للأردن، أرضه ومواطنيه وأمنه الوطني والمجتمعي والدفاع عنه . والأصل كما هو ديدن الأردنيين جميعهم أن يكون هدفهم الدفاع عن الأردن وأمنه بالتضحية وبالأقدام والبذل والعطاء من تلقاء النفس وبمبادرات فردية دون مناشدات وغيرها، لانها مسألة متعلقة بالانتماء للوطن وحبه. فكلنا الأردن كما علمنا قائدنا ابو الحسين . والأصل أيضا أن نكون جميعنا حريصين كل الحرص على ترجمة توجهات القائد ودعم جهود الحكومة واجراءاتها ومؤازرتها ودعمها بكل السبل، لتفادي هذه الأزمة، بالمبادرات الاجتماعية تارة والدعم المادي بالمال وتجهيز المستشفيات والفنادق تارة أخرى والالتزام والعمل وغيره تارة أخرى. ان كل واحد منا في موقعه قادر على خدمة مجتمعه، وكلنا فخرا بمواقف قيادتنا وحكومتنا وأجهزة دولتنا كاملة وجيشنا واجهزتنا الامنية وشعبنا. ومؤسساتنا الوطنية كاملة. فالشكر والثناء لكل من لبى نداء الوطن بشتى السبل وازعه حب الوطن لاغير، والذي تم ترجمته على الأرض من خلال مؤسسات وطنية كثيرة وشخوص عديدين اثروا حب الوطن على الوقت والمال والمصلحة الخاصة وغيرها ، فهؤلاء هم الوطن ، الذين وقفوا في خندقه والتفوا بعباءته . وبالمقابل هناك شخوص ورموز قدم ويقدم بصمت ودون صمت ،وتكاد تكون بصماتهم واضحة بحب الوطن والانتماء اليه ومؤازته ودعمه في معظم الازمات والنكبات التي عصفت بالأردن عبر تاريخه. وقد نجد أو نبحث لبعضهم مبررا هنا وهناك "ممن يشهد لهم بمواقفهم الوطنية" ، لعدم قيامهم " للآن" بمبادرات وتبرعات مادية لظرف ما، أو مسألة وقت او غيره. فكلنا قابل للخطأ او السهو فنحن لسنا معصومون وكلنا قادر على مراجعة حساباته ومواقفه، أما ان ننشر وننقد اسماء بعينا ونجمل، فهذا مرفوض، ومستهحن. قد يكون مقبول منا ان ننقد عن بعد حبا للوطن وحرصا عليه، وقد يكون مطلوب منا التلميح دون الإشارة بأسماء بعينها. فبالتلميح دون التصريح يمكن لنا استغلال مكامن فئات المجتمع المختلفة وطاقاته وشخوصه دون التصريح.،لأن التشهير لا يخدم أمننا الوطني والاجتماعي ووحدتنا الوطنية بقدر ما قد يسهم في هدمه وتازبم مواقفه. وتحول بعض شخوصه الوطنيين لمحاسبة غيرهم نتيجة ذلك النقد او التشهير رغم مواقفهم الايجابية السابقه..مما يلحق ضررا متحققا بالمجتمع اكثر من الفائدة له. وما دفاعي عن تلك التشوهات المجتمعية التي تصيب المجتمع نتيجة سوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بمسألة كهذه بذاتها ليس دفاع عن شخوص بذاتهم لمصلحة او أجندة بقدر ما هو حرصا على اللحمة الوطنية ووحدتها وفئاتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المختلفة في هذه الظروف العصبية ليس اكثر، وربما تقديرا مني واعترفا بفضل بعضها .
أيها الأردنيون النشامى...كم نحن بحاجة في هذه الأيام للصمت اكثر من الكلام، للالتزام والانضباط اكثر من الانفلات، للاشادة اكثر من النقد والتجريح حماية لاردننا العزيز الغالي لنتجاوز هذه المحنة بهمة واقتدار عاليتين.