في أول امتحان لإدارة الملف الصحي في المملكة، فقد أظهرت النتائج التي لمسناها اليوم فشل ذريع في اسلوب وطريقة التعامل مع الأزمة، وكان الفشل هذه المرة مع ملف الخبز، المادة الأساسية للمواطن .
وربما يقول قائل أن غياب الوعي لدى المواطن، وانعدام الحس الوطني هو ما تسبب بهذا الفشل، حيث كان الأجدر بالمواطن أن يتعامل مع الموقف بصورة أكثر حضارية مما حصل، وأن يعكس الصورة التي أخذت عنه في الأيام الأولى من بدء الإعلان عن العمل بقانون الدفاع.
ورغم وجاهة هذا الراي، إلا أن العدل والانصاف يقتضي الا ناخذ به على إطلاقه، فسوء الإدارة الذي تعاملت به الحكومة مع الموقف، ساهم وبشكل كبير في حدوث هذا المشهد الذي آلمنا كثيرا، خاصة حينما شاهدنا وقوع مشاجرات في بعض المناطق من المملكة، وهذا أن دل على شيء فإنما يدل على إخفاق الحكومة في الاختبار الأول من اختبارات التعاطي مع الأزمة، بعد أن حققت بعض النجاحات في المرحلة السابقة، لكن يبدو أن كثر التمجيد والتبجيل الذي سمعته الحكومة في الأيام الماضية من قبل المواطنين أعطى نتائج سلبية، وجعلها تصدر القرارات بالجملة، ودون دراسة أو دراية بالنتائج التي قد تترتب عليها، وهو ما حدث بالفعل مع قرار توزيع مادة الخبز، الأمر الذي خلق حالة من الاستياء لدى البعض من المواطنين، وكوّن قناعة لديهم بأن الحكومة غير قادرة على التعاطي مع المشكلة بشكل سليم وبناء، ويتوقعوا مزيدا من الفوضى في الأيام القادمة إذا ما استمرت الحكومة بنفس النهج والسياسة التي تعاملت بها مع ملف الخبز، والذي يعتبر درسا عمليا لها لتدارك أي خطأ قد يحدث في قادم الأيام ، أو على الأقل تقلل من نسبة الخطأ المتوقع والناجم عن القرارات أو الإجراءات التي ستتخذها مستقبلا .
واذا كان جهل المواطن وقلة وعيه مشكلة بنظر البعص، فإن المنطق يفرض علينا عند الحديث عن أي مشكلة؛ أن نؤصلها، ونبحث في اسبابها، علّنا نجد عندهاضالتنا.
وهو ما يفرض السؤال التالي : من زرع فيه هذه الثقافة ؟ ثقافة الفوضى أو ثقافة اللاوعي؟
اذا عدنا بالذاكرة للوراء، وبحثنا في أصل هذه المشكلة،
نجد ان حالة اللاوعي التي يعيشها المواطن ما هي الا بسبب سياسات الإفقار التي مارستها عليه الحكومات المتعاقبة، ومنها الحكومة الحالية التي تدير الازمة، والتي راحت تطلق التشريعات الجائرة، تشريعا تلو الآخر، إلى أن أصبحت لقمة العيش هي شغله الشاغل، وبات لا يفكر سوى بالطريقة التي يحصّل بها رزقه، ومن هنا بدأ حسه الوطني يتراجع شيئا فشيئا، وأصبحت قضايا الوطن آخر اهتماماته، واصبحت السياسة امرا لا يعنيه، كيف لا وهو يجاهد الحياة؛ بحثا عن لقمة عيشه التي بالكاد يحصلها، واستطاعت تلك الحكومات أن تستثمر هذا الأمر، لتجعل منه سلاحا بيدها، تستخدمه كلما احتاجت اليه لتغييب المواطن عن قضاياه الوطنية.
ولعل ما شاهدناه اليوم من مظاهر الفوضى والخروج على تعليمات الدفاع التي أطلقتها الحكومة، ناتج عن غياب الثقة بسياسات الحكومة، فبعد أن نجحت الأخيرة في عملية الوقاية من انتشار الوباء من خلال سلسلة الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها، مثل: فرض حظر التجول، وتأمين المسافرين القادمين من الخارج بوسائط نقل، ووضعهم في أماكن للحجر الصحي، نجدها اليوم قد أخفقت في أول امتحان في التعامل مع الواقع الذي فرضته طبيعة تلك الحالة او الاجراءات، وأقصد بذلك حالة الطوارئ، وهذا أن دل على شيء، فإنما يدل على ضعف التخطيط والترتيب من جانب إدارة الأزمات، فادارة الأزمة لا تتوقف على الإجراءات الواجب اتخاذها فحسب، وإنما لا بد من دراسة النتائج المترتبة عليها، ووضع الحلول المناسبة لها حتى لا تقع في أخطاء ربما لا تستطيع أن تتداركها في لحظة وقوعها، وهذا ما حدث بالفعل عند اول موقف.
كنا منذ بداية الازمة، وتحديدا منذ الإعلان عن العمل بقانون الدفاع ( الطوارئ) قد طالبنا الحكومة بضرورة ان تقوم الحكومة باتخاذ حزمة إجراءات تقلل من وطأة تطبيق حالة الطوارئ على حياة المواطنين، سيما وأنها المرة الأولى التي يشهدها المواطنون، فهم لم يتعايشوا مع مع مثل هذه الحالة من قبل، ومن ضمن هذه الإجراءات التي اقترحناها- كما اقترحها العديد من الاخوة الكرام؛ تأمين المواطنين باحتياجاتهم الأساسية، بطرق جيدة، وضمن خطط مدروسة، تضمن استمرار الحياة المعيشية للمواطن دون ضجر أو وجل أو خوف .
ومقابل ذلك، طالبنا المواطن ان يلتزم بكافة التعليمات التي تصدر اليه عن الجهات المسؤولة في الدولة، حفاظا على حياته، ومنعا لانتشار الوباء بشكل تصبح معه السيطرة مستحيلة، كما شهدته مدن وعواصم في دول المشرق والمغرب .
ورغم قلة الدراية والمعرفة لدى المواطن بطبيعة هذه الظروف، إلا أننا شهدنا وعيا غير مسبوق في التعاطي مع الازمة، وسرعة استجابة للتعليمات والقرارات الصادرة عن الحكومة، باستثناء بعض التجاوزات والمخالفات الفردية، والتي تحصل في بلدان الديمقراطيات المتقدمة، وشاهدنا بالمقابل الرقي في التعامل من قبل القائمين على إدارة الأزمة، وهو ما عكس صورة طيبة عن البلد، لا بل وأصبح مضرباً للمثل على الصعيدين الإقليمي والدولي.
وكنا نتمنى لو استمرت هذه الصورة على حالها، واتخذت الحكومة إجراءات حكيمة تحافظ على ضبط النفس التي تحلى بها المواطن منذ البداية، ولكن غياب التخطيط السليم والتنفيذ، أفقد هذه الصورة جماليتها، وأفقد المواطن سلوكه المنضبط، ودفعه الى الخروج على التعليمات، حتى غدا الحال؛ كحال من نقضت غزلها من بعد قوة انكاثا، فذهبت الجهود سدا، وحبط العمل، وضاعت على الدرب الخطى، ( وكأنك يا ابو زيد ما غزيت ) .
ومن هنا، وحتى لا نُحسب على خندق المحبطين والمرجفين، فإنني اؤكد بأن ما حصل اليوم يمكن تداركه إذا ما صححت الحكومة نهجها القائم، ووضعت خطة محكمة، واتخذت اجراءات سليمة، وتعاملت مع المرحلة بحكمة، مقابل أن يدرك المواطن حجم الخطر الذي قد يتسبب به إذا لم يتعامل الموضوع بوعي تام، وحسٍ وطني كبير؛ ويشعر بمسؤليته تجاه نفسه واهله ووطنه ..
#فالمسؤولية مشتركة بين المواطن والحكومة، ولا يجوز أن نلقي باللوم على جهة ونعفي الاخرى، فالوطن للجميع، وحمايته واجب علينا جميعا ..