الصالون الثقافي للملك المؤسس عبد الله الأول ابن الحسين كان المجلس الثقافي الوحيد في العالم العربي الذي يترأسه أمير (ملك)
كان هذا الصالون يعتبر من أهم معالم عمان الثقافية لقد ساهم الملك عبد الله الأول من خلال مجلسه الأدبي في قيام حركة أدبية وثقافية في شرقي الأردن... وكان أول صالون ثقافي في عمان
بلاط الملك المؤسس كان محجاً للأدباء والمثقفين:
الصالونات الثقافية في عمان... مراكز للفكر والمعرفة ومنصات للتنوير:
إعداد / عمر العرموطي / نيروز خاص موسوعة عمان أيام زمان
... ظهر في الأردن بعد بداية عهد الإمارة عام 1921م صالون فريد من نوعه على المستويين الأدبي والثقافي ترأسه الملك المؤسس عبد الله أبن الحسين طيب الله ثراه.. خُصوصاً وقد احتضن عمالقة الأدب والثقافة والشعر في الأردن والعالم العربي ومنهم عبد المحسن الكاظمي ومصطفى وهبي التل (عرار) وعمر أبو ريشة وحسني فريز وعبد المنعم الرفاعي وخير الدين الزركلي وناصر الدين النشاشيبي والشيخ حمزه العربي والشيخ محمد الأمين الشنقيطي وفؤاد الخطيب وحسني زيد الكيلاني، وسعيد الكرمي، ونديم الملاّح، ووديع البستاني، وتيسير ظبيان.. وغيرهم..
إن المجلس الأدبي للملك المؤسَّس "عبد الله الأول ابن الحسين" في عمان كان حالة فريدة فقد حمل الأمير عبد الله ابن الحسين (الملك المؤسس) إلى عمان إرثاً حضارياً سنّةُ العرب حينما كانت مجالس خلفائهم وأمرائهم وشُيوخهم مُلتقى لكبار الشعراء والأدباء عبر التاريخ العربي في المشرق والمغرب... وقد أحيا جلالته هذه السنة الحميدة فكان ديوانه مُلتقى لكبار شعراء العربية في عصره.
كان جلالة المغفور له الملك عبدالله الأول ابن الحسين رجل حُكم وسياسة وقيادة، وكان إلى جانب ذلك أديبا شاعرا خطيبا راوية للشعر، ذا اطلاع واسع على الأدب العربي في عُصوره المُتعاقبة، وكان قصر جلالته مُلتقى للأدباء الأردنيين وغيرهم من الأدباء العرب الزائرين.
وقد دأب جلالته على استقبالهم ببشاشه، ومُطارحتهم الشعر بعيداً عن بهجة المُلك وسُلطان الحُكم، وكانت مجالسه مجالس أدب تتناقل أخبارها ومُساجلاتها الشعرية الصُحُف والمحافل الأدبية، مما يُذكر ببلاطات الخلفاء والأمراء السابقين.
كان بلاطه يعجُّ بالأدباء ورجال الفكر والعلماء، يُقرَّبهم ويستشيرهم في ملفات الأمور، ويُقارضهم الشعر وفُنون القول، وعُرف عن الراحل إيمانه بحرية التعبير كحق أساسي وتسامحهُ مع الشعراء الذين انتقدوه شخصياً، إضافةً لدعمه للنماذج الشعرية الحداثية كنموذج عرار – مصطفى وهبي التل، وبعض الشعراء العراقيين... وغيرهم فولد الشعر الحُر عند عرار... ومن ثم الرواية الحداثية عند الراحل تيسير السبول، وكان الملك المُؤسٍّس يُتابع ويُوجه الحركة الصحفية الناشرة للشعر والأدب خاصة تلك التي كانت تُشغل الرأي العام ولا تمُر إلاّ وقد رآها شخصياً، وعمل حينها على دعم تأسيس عدد من الصُحُف والمجلا ت المُتخصِّصة التي وفرت منابر خصبة للشعراء والكتاب، وقد نشأت عن ذلك حركة أدبية وفكرية وسياسية كان لها أثرها في الحياة الثقافية والفكرية بالأردن.
نحن نقف أمام شخصية أدبية مُنقطعة النظير فالملك المؤسس جلالة الملك عبد الله الأول ابن الحسين واحد من أدباء وشعراء هذا العصر كونه واسع الإطلاع وعلى علم ودراية بفنون الآداب والشعر، كان راوية للشعر ومُحباً لمجالس الشعر والشعراء عارفاً أوزانه وقوافيه، وقد قال فيه تيسير ظبيان: "ولم تكتحل عيناي في جميع سني حياتي بُمشاهدة مجلس أجلُّ شأناً وأشدُّ هيبة وأرفع قدراً وأنبه ذكراً وأطيب أثراً وأوقع في النفس وأحب إلى القلب من تلك المجالس الخاصة التي كانت تُعقد من جيل لآخر في قصر رغدان أو بسمان أو المشتى (في الشونة) لما كان يدور فيها من مساجلات شعرية ومُطارحات أدبية ومُناقشات دينية وعلمية وحوار سياسي على مستوى رفيع، وكانت تضم هذه المجالس نُخبة من عيون أهل الفكر وجهابذة العلم ورجال الأدب والشعر بالإضافة إلى جمهرة الوزراء وكبار المسؤولين وبعض الأدباء والمفكرين الذين كانوا يفدون من الأقطار العربية الشقيقة أمثال عمر بن أبي ريشه وعبد المحسن الكاظمي وإسعاف النشاشيبي وكان الملك بما آتاه من ذكاء وقّاد وذاكرة قوية وبما حباه من طلاقة الحديث أو رشاقة في الأسلوب وسرعة في البديهة وبما كان يتمتع به من اطلاع واسع ودراسات خاصة كان راوية للشعر من الطراز الأول، ولا سيما الشعر القديم وحين كنا نستمع إليه نحس كأننا نستمع إلى روايات الأصمعي وأبي عبيدة.... وقد علمت أن الملك كان يحفظ عن ظهر قلب مفضليات الضبّي، وجزءاً غير يسير من ديوان الحماسة لأبي تمّام والأغاني والعقد الفريد"...
لقد ساهم الملك عبد الله الأول من خلال مجالسه الأدبية في قيام حركة أدبية وثقافية في شرقي الأردن إعتمد الأسلوب الجميل الجزل والمتانة والدقة في اختيار المفُردات والألفاظ دون إخلال بالوزن والقافيه مُتأثراً بفُحول الشعراء العرب آخذاً باعتباره المعاجم اللغوية والموسوعات العربية فنظم قصائد في شتّى المواضيع... وكان راعياً للأدب ومُشجعاً للمواهب الشابة فهو بحق مُنشىء الأدب الأردني الحديث.
... وفي ذلك يقول الشاعر سليمان المشيني: "لقد أقالت يدك الكريمة الشعر العربي عندنا من عثرته وأنهضته من كبوته وأعادت له ديباجته المشرقة ومعانيه الجميلة!... وكُنت، يا أبا طلال، رفيع الذوق، دقيق الإختيار، غزير المادة، مُتألقاً في غذاء العقل، كثير المحفوظ، مُمتلكاً لناصية اللغة، تتصرف بها تصُّرف الخبير بأسرارها، والمُتفرِّس بنحوها وصرفها وبلاغتها، والمُحاجج بها في ميادين المُناظرة والجدال والبيان.
ومن النوادر التي تُروى عن الملك المؤسِّس وهو الشاعر البارع والخطيب المُفوّه والعالم المُتبحر والأديب المطلع أنه أثناء المحاورات في مجالسه الأدبية كان يُحرج ويُفحم الجالسين بأسئلة لا تخطر على البال...
فيروي المرحوم والدي الأستاذ محمد نزال العرموطي في مذكراته بأن الملك المؤسس طيب الله ثراه في إحدى الجلسات الأدبية سأل الحُضور عن إسم أم الإمام أبو حنيفه... فأُصيب الجالسين بالإحراج وامتقعت وجوههم وصاروا يتلفتون إلى اليمن واليسار لأنهم لم يعرفوا الجواب... وصدف بأن كان بين الحُضور المرحوم الشيخ ذوقان الحسين العواملة أحد وُجهاء السّلط الذي كان يُعرف بجرأته الكبيرة.... فأستأذن ذوقان للحديث "وقال: يا جلالة الملك إذا إحنا ما بنعرف إسم أم جلالة سيدنا وبدكيانا يا سيدي نعرف اسم ام الإمام أبو حنيفة"... وهنا فقد أراح ذوقان الحسين الحُضور من هذا الإحراج الكبير.
كما وردت هذه الرواية أيضاً في مذكرات اللواء حكمت مهيار (مدير الأمن العام الأسبق)
إعداد عمر العرموطي يقول الشاعر والأديب محمد سمحان: "كان الملك المؤسِّس يُقيم مجالس الأدب والشعر وقد أنهتها إنهماكات جلالته في القضايا السياسية وتأسيس الإمارة والقضية الفلسطينية ومسائل الوحدة العربية.... أنا أعتبر مجلس الملك المؤسِّس حالة فريدة في عصره بل أنه كان المجلس الوحيد الذي يترأسه أمير (ملك) ويجتمع إليه كبار شعراء العربية، وأنا أقول يا حبذا لو عاد هذا المجلس سيرته الأولى برعاية ملكية سامية أو أميرية بحيث يلتقي فيه شعراء الوطن والأمة العربية يتواصلون من خلالها بقصائدهم وأشعارهم"...
... فهذا الصالون كان يُعتبر من أهم معالم عمان الثقافية... وحالة فريدة في الوطن العربي.
وقد ورت هذه المعلومات أيضاً في مقال للرائد عبد الله الخشاشنة في مجلة الأقصى.
... والآن في الأردن فقد ظهرت في العُقود الأخيرة صالونات أدبية وثقافية وسياسية في العاصمة عمان وفي بعض المدن الأردنية تقوم بدور مهم في هذا المجال...
ومنها صالون الشاعرة مريم الصيفي وصالون الأدب والثقافة لصاحبه عمر العرموطي، وصالون المهندس هاني أبو حجلة وصالون الدكتور عبد الفتاح البستاني، وصالون أحمد أبو حليوه في الزرقاء والصالون السياسي لدولة الدكتور عبد السلام المجالي وصالون معالي الدكتور أمين محمود.
وشهدنا قبل حوالي عام ولادة صالون ثقافي سياسي مُميَّز وهو صالون الدكتورة سهام الخفش والذي أصبح أحد معالم عمان الثقافية.
ويؤكد الكاتب والأديب محمد المشايخ أن الصالونات الأدبية بالأردن الحالية والسابقة يصُدر عنها كُتُب أو مواد تُغطي الصفحات الثقافية بالصحف والمجلات كما أنها لا تحتاج لتكلفة مالية كبيرة كباقي المؤسسات والهيئات.
وأضاف المشايخ: المُهم في تلك الصالونات أنها تُشكل فضاء لعديد من الأدباء العرب بالأردن والأدباء من كل المحافظات الأردنية وتتيح لهواة الأدب والأجيال الصاعدة والأكاديميين فُرصة الإلتقاء والتحاور.
وقال الصحفي والأديب إبراهيم السواعير إنّ الصالونات الثقافية والأدبية تمثّل مصدراً من مصادر التنوير الثقافي والمعرفي، وتتصف بالعلاقة الحميمة بين أعضائها، إلى جانب كونها تتميز بالشفافية في الطرح والأداء، لأنّ وقتها ليس محدداً بما نعرفه في بروتوكولات الهيئات الثقافية التابعة لوزارة الثقافة في أغلبها، والتي تنمّطت في الفترة الأخيرة ولم يعد لديها إلا اجترار المواضيع وإعادتها دون تقديم جديد يُذكر.
ومن واقع قراءته الصحفية لهذه الصالونات، قال السواعير إنّه يخشى من سيطرة المجاملات وتقريب الشخصيات غير المثقفة أو المتخصصة في قراءة موضوع الجلسة أو الندوة أو الأمسية، وهو أمر موجود أيضاً في الهيئات والجمعيات أيضاً، لكنّه استدرك بأنّ الصالونات الثقافية هي رديف قوي للدولة من حيث مناقشتها لمواضيع مهمة وحساسة يحتاجها الوطن، ومن الممكن خلال الأزمات التي تصيب الأوطان والدول والشعوب أن يكون لها دور عن بعد بمعنى عبر وسائل التواصل الاجتماعي في ظل ظروف التباعد الاجتماعي في ظرف أزمة كورونا...كدور توعوي وطني مهم.
وقال السواعير إنّ كثيراً من التنوير الحقيقي كان من هذه الصالونات التي ينظر لها البعض أنّها عائلية، في حين أنها باتت تفرض نفسها وطنياً وعالمياً، وذات تأثير مجتمعي كبير في كلّ أنواع المعرفة والثقافة والإبداع.
ويقول الشاعر الأستاذ عبد الرحمن المبيضين بأنه تنتشر في نواحي العاصمة المختلفة الصالونات الثقافية والسياسية وقد أشرف على تأسيسها مجموعة من النشطاء الثقافيين والسياسيين والمؤرخين والكتاب والأدباء والشعراء ومنها صالون الأدب والثقافة للمؤرخ الأستاذ عمر محمد نزال العرموطي والجمعية الأردنية للعلوم والثقافة التي يترأسها معالي المهندس سمير الحباشنة وصالون د. سهام الخفش وصالون أبو بكر ومنتدى بيت الثقافة والأدب ومنتدى شومان ونادي الفيحاء الثقافي ودار المشرق للثقافة والفكر وجمعية أصدقاء الشرطة وسما للفكر ومنتدى الرواد الكبار... وغيرها.
وقد أسهمت هذه المنتديات في إثراء وتنشيط الحركة الفكرية والثقافية والتعريف بدور الكتاب والأدباء والمثقفين بعامة، ووفرت لهم أجواء مناسبة مكاناً وزماناً لتبادل الأفكار.
صالون الدكتور مهدي العلمي الثقافي: وهو صالون ثقافي تحت التأسيس، يقع في منطقة تلاع العلي خلف مسجد الطباع، قام بتأسيسه د. مهدي فكري العلمي، الناشط المعروف في المجالات الثقافية، والأدبية، والسياسية، والفكرية، والتدريبية. وكان من المفروض ان يفتتح هذا الصالون في بداية شهر آذار 2020 الا ان جائحة الكورونا قد حالت دون افتتاحه في ذلك الموعد .
يتميز صالون الدكتور مهدي العلمي الثقافي بان جدرانه مزينة ببراويز للشهادات والدروع التي حصل الدكتور مهدي العلمي في حياته في مختلف المجالات وعددها ٢٥٠ شهادة ودرع . وسوف يكون اهتمام هذا الصالون منصباً على تدريب وتنمية الموارد البشرية من الاجيال الصاعدة، وهو المجال الذي عرف به الدكتور مهدي العلمي اكثر من غيره حيث انه مدرب مستشار معتمد، ومؤلف ل ٤٣ كتاب، وحاصل على جائزة المدرب العربي المتميز الاولى في الوطن العربي.
يسرني ويسعدني ان اقدم هذه المداخلة عن صالون الدكتورة سهام الخفش الثقافي :
لقد تشرفت بان اكون عضواً في اللجنة الاستشارية لصالون الدكتورة سهام الخفش الثقافي، كما تشرفت أيضاً بانني كنت الشخص الذ ي اختار الاسم لهذا الصالون بهذا الشكل.
وإنني اعتقد جازماً بان هذا الصالون يعتبر علامة مميزة بين الصالونات الأدبية، والسياسية، والفكرية في بلدنا الحبيب الاردن وذلك لانه يمثل مبادرة نسائية موفقة في تأسيس وإطلاق وادارة الصالونات الثقافية، اضافة الى استضافته لعدد من القامات الوطنية المشهود لها بالمساهمات الكبرى في خدمة الوطن والامة من النساء والرجال ممن عملوا في المجالات السياسية، والاقتصادية، والأدبية، والتدريبية، والإعلامية، والدبلوماسية، ويتميز صالون الدكتورة سهام الخفش الثقافي بانه يضم في عضويته قامات معروفة في المجتمع الاردني بحسن الاداء، واتقاد الذكاء ، وألمعية التفكير، والخلاصة هنا هي بان هذا الصالون يعتبر دليلاً ساطعاً على توفر وتجذر الحياة الديمقراطية في الاردن، وحرية الكلمة ، وسمو التفكير .
ومما قاله صاحب صالون البستاني الثقافي وعاشق الشعر والادب العربي الدكتور عبدالفتاح البستاني: ان حاجتنا للصالونات والمنتديات الثقافيه تكتسب اهمية خاصه في ايامنا هذه لمواجهة هجمة العولمه الثقافيه الانجلوسكسونيه التي تستهدف لغتنا العربية الجميله وثقافتنا وتراثنا العربي العريق منذ سوق عكاظ في القرن السادس الميلادي الى يومنا هذا....الامر الذي يتطلب العمل بجد ومثابره للحفاظ على لغتنا العربيه ومكونات ثقافتنا الغنيه بما في ذلك الشعر العربي... حيث ان الهوية الثقافيه تشكل اساس الانتماء الوطني والقومي العربي.