استعرت العنوان من كلمة للمغفور له الملك الحسين طيب الله ثراه قبل 54 عاما وكانت في 2 / 12 من عام 1966 ، وجاءت هذه الكلمة بعد العدوان على بلدة السموع مباشرة حين برزت توجهات عاصفة تحذر من اطماع اسرائيل ،وتطالب بالتعامل مع الخطر الذي بدا واضحا من عدوان السموع .واقتبس من نص كلمة جلالته في ذلك التاريخ وهو التالي :
" مُكْرَهٌ غير راغب يحدثكم الحسين، في وقت كان يتمني فيه ان يُفسح له شعبنا ومسؤلو امتنا هنا وهناك ،المجال لمعالجة ما هو اولى من الحديث وأهم ، فإلى اولئك الذين يدفنون رؤسهم في التراب ... عودوا معي الى مستهل هذا القرن العشرين حين كان الخطر الصهيوني لا يعنيكم في قليل او كثير ، تعالوا معي الى حرب عام 1948م، وانظروا الماساة ، انظروا الى الشعب الطيب يهجر ارضه ووطنه ، تعالوا معي انظروا الى النهر الخالد المقدس انظروا اليه ينضب ماؤه يحوله الاعداء خلافا للقوانين الدولية"انتهى الاقتباس
دعا الملك الحسين يرحمه الله الى أن نراجع محطات انتكاسية في تاريخنا ، انتكاسة عدم الاكتراث بما يجري ، ومأساة حرب 48 ،والاستيلاء على مياه نهر الاردن ، ولعل هذا النداء قبل نصف قرن هو يصلح بنفس اللغة في يومنا هذا ، خاصة ونحن نستذكر نكبة فلسطين وحرب 48 بعد 72 عاما ، وربما نطرب معنويا وحماسيا لاغنية فيروز في "اجراس العودة التي آن لها ان تقرع " يوم أن صدحت بالاغنية هذه قبل 52 عاما ، وكلمة " آن لها أن تقرع " ربما جاء تفسير لها في قصيدة حولها للشاعر نزار قباني .
ربما مسيرتنا يكتنفها التشاؤم ، وننطلق في انتاجنا الاعلامي وتعليقاتنا وابحاثنا من واقع اليأس والفشل ، مع محاولة البحث عن نوافذ فيها بصيص الامل وأي رائحة انتصار ، وحتى حين الحديث عن النكبة والنكسة ربما كأننا نتحدث مكرهين كما هو استهلال الحسين يرحمه الله بقوله " مكره غير راغب يحدثكم الحسين " .
ولكن لا حياة مع اليأس ، ولا يمكن ان نفقد الامل ، فلنا في تاريخنا الدروس والعبر ،
في حرب فلسطين 48 حقق الجيش العربي الاردني انتصارات عديدة عسكرية ، ولكن كانت السياسة وادواتها اقوى في بعض المراحل ، جيشنا العربي الاردني طهر القدس العربية والقديمة من وجود اي يهودي واحد فيها وكأنه ينفذ العهدة العمرية الموقعة في سنة 15 للهجرة . ونقل الاسرى الى ام الجمال في المفرق ، وطهر منطقة طريق بيت لحم الخليل من عصابات كانت تسيطر على الطريق فاحتل كفر عصيون وكل المستعمرات ونقل 287 اسيرا الى المفرق ايضا ، وتنتهي الحرب بهدنة فرضت على العرب ، وكانت خسائر الهدنة اكثر من مكاسبها ،يكفي ان الهدنة افقدت فلسطين 22% من ارض فلسطين وضمتها الى حصة العدو وفق قرار التقسيم . ولا ننسى انتصار الجيش العربي الاردني في معركة الكرامة يوم 21 آذار 1968 الذي حطم الاعدو وشاع في الامة العربية الامل والمعنويات العالية .
ربما اليوم نعيد قراءة التاريخ بمعيار الموضوعية ، هذا المعيار المفقود دائما ، فتاريخ حرب 48 حبلى بالاتهامات والزيف ، ولا زالت صفائح الكتب غزيرة وانتقلت الى التواصل الاجتماعي الذي زاد عليها،
تاريخ زاخر بالمجد ،ولكن ما قبل عام 48 ، لنسير بعد ذلك في درب "احضان الحبايب" هنا وهناك، لكل حبيبه وربيبه وعمدته ، وانقسمنا شيعا واحزابا ولا يمكن ان تجد اثنان يلتقيان عند رواية واحد او موقف واحد سوى في بيانات القمم والبلاغات المشتركة دون تطبيق .
نعم نحن نعيش الجراح المؤلم الذي نرفض ان نسمح له بأن يلتئم ، ونغني لفلسطين الحبيبة والعزيزة ، التي هي مهوى كل فؤاد شريف ،وهي الذكرى التي كلما مر زمان نجد انها تصغر أرضا ومساحة وتتعدد مشاريع الحلول وتتعقد ، ونحن عل ناصية الطريق بينما غيرنا يستثمر الوقت للوصول الى الامر الواقع على الارض .
" مكره يحدثكم الحسين "جاءت بعد ان تيقن الحسين ان احتلال الضفة الغربية اصبح وشيكا لالحاقها ببقية فلسطين ، مذكرا بسلسلة الانتكاسات حتى نتفادى الانتكاسة القادمة ، وما بعد السموع كان هناك هياج في الشارع العربي بضرورة التحرك للقضاء على اسرائيل وتحرير فلسطين .
ومكره نقول لانفسنا الان: هل نحن في درجة الاعتبار والفهم والادراك ؟
هل هناك اعادة صياغة في التفكير والرؤية ؟
هل نستغل ازمة كورونا لتعلم معنى العمل المشترك وكيف نتصدى للخطر ،؟
ربما كورونا يهاجمتا بشكل سافر ومكشوف ، ولكن الساسة لا تعرف مدى خطر فيروساتها ومتى تضرب باصابات مميتة .