د. إسماعيل هموني المملكة المغربية ومشينا في ردهات إقاماتنا نتقاسم الابتسامة ؛ وذات اليد؛ كأني به يسابق الخير إلى الهطول فليحق نداه ما لم تطلهالكرام ثم يرش بضحكة ترى فيها فرح البادية ،ونباهة أهلها. في صباح المؤتمر الشعري بالعيون اخذ كل منا زينته ، وتشيع للقاء في حبور طفولي ؛ فخرج السرحاني بطقمه الحداثي على الذوق المغربي فشد النظر إليه من غير سوء في العين، وتوسط منصة المحاضرات ، فنافح عن طرحه الفكري، و ثلم في المعرفة خدودا بميسم المؤرخ العارف حتى اسند القول إلى مضانه ، واثلج صدور من حضر ، فعلمت ان الرجل جواد النعمة ، وفارس الكلم. وتراه ، وهو القصير قامة مثلي ؛ يجذبك بلين عريكته ، وشدة شكيمته؛ يمشي توأدة لا ريث ولا عجل ، في خطوه حكمة وإحكام بصيرة تقرأ فيهما تاريخ البادية ، وأريحية اهل البدو. ثم يضمك إليه بعناق فاض من اريج قلبه؛ وبلكنته النبطية (هلا هلا..هلا يا خووووي..) فيشرب وجدانك من سكينة الترحاب ؛ ولذاذة اللغة.ثم تشم من كل ذلك عراقة التأصيل، ونجاعة التأثيل ؛ فلا تروم سوى الركون إليه ولو حينا بعد حين . وجاء يومنا الثاني من مؤتمر العيون وصاحبي في اناقته المعربية يسجل ملاحظاته ؛ ويتفرس ببداهته الاصيلة الوجوه والمعاني والجليل من كلام الناس ، فتراه يضع موازين القسط ،يفرز الغث عن الثمين ،وبربي صدقات الكلام النفيس مكاييل ومكاييل؛ ثم يأتيني ، سائلا ، وهو الحصيف البصير، ماذا رايت مني اليوم؟ فأقول ، وانا البدوي مثله، اراك كل يوم في شأن وانت انت كما تشتهي نفسك وغائلة طويتك.فأنعم بك من طين ونفاسة بنيان.
مايزال يضاحكتي حتى اشرب من حدائقه ، وافانين كرمه، فامد بصري إلى قامته فلا اراها تطولني سوى بشبر او شبرين ومع ذلك هي نخلة عندي تطل من زهو البادية التي تسكنني؛ فأمشي إليه بما في طويتي من تحنان البيد ؛ و آي الصدق المرصوعة في الوجدان. واحيانا ، ننعزل عن طوائف المشاركين فلا نبغي كدرا لنا ولهم ،كأننا في نتهامس في يقين اننا وحدنا من نكون ، ولا نرى احدا يمشي بيننا باختام الرجاء او القلوب. ومع ذلك يزف لنا الجمع اصواتهم وتحاياهم حتى نرانا في مراياهم أنصع من مما ألفناه في عزلتنا.
فنندغم في العشيرة؛ رخوا ورهوا؛مخاطبة لامغايبة ، فنتكاثر فيهم بالعد والعدد؛ ويتحوصلون فينا بالآحاد والمفرد. وفي الليل حيث نسمات بحر العيون (المحيط الأطلسي) تهب ناعمة وتحط على مسام اهل البدو كما تشتهيها الأنفس؛ وتلتذ بها الأعين ، في القلب روايات صبابة ، والقيد قائم لا ينكسر. وتلك رهبة الله حين استيقنتها القلوب ؛ ورعت المحارم وقداسة الذمم.وليل العيون لا يشبه اي ليل؛ ليل يحرضك على المسامرة ، ويحثك على طلب كؤوس الشاي؛ ويميل بك شهي الأحاديث .
وهو طقس بدوي بأمتياز شدنا معا الى ناصية السهر ، وإعفاء العيون من الإغفاءات المتكررة.