لا يمكن إنكار أن العالم أجمع قد تعرض لصدمة شديدة الوطء والتأثير على جميع القطاعات بلا استثناء , مما دعا الجميع إلى إطلاق صفارات الإنذار والتأهب والاستنفار بأقصى طاقة ممكنة وبما أتيحت إليهم من قوة , واستخدام كافة الوسائل المتاحة, والانتقال إلى الوضع الدفاعي لتلاشي آثار هذه الجائحة التي غزت العالم بدون سابق إنذار , وبدون أدنى درجات الاستعداد والتأهب لهذا الوضع المريب ..
منهم من يراها تهديدا لكافة القطاعات, ومنهم من يراها فرصة لا تعوض لتصويب أوضاعهم ومجاراتهم للركب, وموجة لا بد من ركوبها و استغلالها إن لم تكن من أجل تحقيق الربح يراها طوقا للنجاة والبقاء والنمو والاستمرار.
عند التمعن بأكثر المجالات تأثرا في العالم أجمع سنجد أن العنصر البشري أكثر المتأثرين والمتضررين من هذه الجائحة , وهم العنصر الأكثر فعالية في المنظمات وهم العامود الفقري في كافة القطاعات مهما كانت كبيرة أم صغيرة , وهم العامل الرئيسي في بقاء المنظمات واستمرارها , وهم من يصنعون القيمة المضافة لهذه المنشئات .
ما هو مستقبل وظائفهم ؟؟؟ وهل مراكزهم الوظيفية إلى زوال ؟؟؟ هل سيفيقون غدا ليجدوا أنفسهم في صفوف الباحثين عن فرصة عمل جديدة ؟؟
جميع الإحصاءات والتوقعات تشير إلى أن الملايين في هذا العالم سيفقدون وظائفهم بسبب الظروف الراهنة , وأن معدلات البطالة سترتفع إلى مستويات غير مسبوقة في القريب العاجل , بينما هنالك رأي أخر وأنا من أحد المؤيدين له وبشدة بأن تلك المرحلة ستشهد نموا في الطلب وشراهة في الإنفاق الاستهلاكي لتعويض آثار الأزمة وإشباع احتياجات المستهلكين والمستخدمين، ويتعين على الراغبين بالحضور في هذا المشهد المستقبلي أو حجز مكان فاعل لهم ضمن مكوناته التجهز لتلك المرحلة، والاستعداد بدءا من الآن، خاصة العنصر الشبابي الذين يتعين عليهم التدرب وتأهيل أنفسهم وامتلاك مزيد من المعرفة والخبرات بما يضمن لهم منافسة فاعلة في الواقع الجديد لسوق العمل العالمية.
في المرحلة القادمة سيتم قياس الإنتاجية بناءا على الانجاز الفعلي وليس على الحضور إلى مكان العمل التقليدي , وستتحول أساليب الأعمال من الشكل التقليدي والروتيني إلى ممارسة الأعمال عن بعد , وهذا الأمر يستدعي من كافة القطاعات سواء كانت عامة أم خاصة التجهيز له والاعتماد علية وبدء التحول من هذه اللحظة , وأتمتت أعمالها وتحولها للشكل الرقمي بما فيها الندوات والورش والاجتماعات , وتدريب الموظفين وتطوير مهاراتهم وإشراكهم فيها تحسبا لقادم الأيام .
في الأيام المقبلة لا مكان للموظف التقليدي في صفوف العاملين, سيتم التركيز والبحث عن الأشخاص الأكفاء ممن لديهم القدرة على التميز والابتكار والقدرة على مجابهة كل ظرف طارئ ومواكبة كل ما هو جديد.
إن إدارة الموارد البشرية هي من أهم المعنيين في هذه المرحلة , إذ لا بد لها من تكييف سياساتها وجعلها متواكبة مع الواقع الجديد , ستتغير شكل الإعلانات عن الوظائف , وستتبدل أسس الاستقطاب والاختيار والتعيين , وسترتفع سقوف المطلوبات من المتقدمين من معرفه ومهارات واتجاهات (KSA) , حتى آلية عقد المقابلات وإجرائها سيكون مختلفا عما كان بالسابق .
ولا يمكن الإنكار إن التوجه الجديد لتقليص عدد الوظائف في المنظمات أو أتمتت ما يمكن منها , والاستعاضة عن الأيدي العاملة بالآلات قدر الإمكان , لكن ما يمكن قولة بأنه لا يمكن للمنظمات أن تستغني عن الكفاءات والمهارات البشرية مهما حصل , وتبقى الكرة في ملعب الموظفين والعاملين , إما أن يطور من مهاراته وان يواكب المتطلبات أو سيتم إقصاؤه وإخراجه من تشكيلة الفريق القادمة "من لا يتطور ينقرض ومن لا يتقدم يتقادم " .
الصدمة قد حصلت بالفعل , ولكنها كالصدمة الكهربائية التي تعطى لمريض قد توقف قلبه عن النبض ; أما أن يعود للنبض كما كان أو يبقى متوقفا عن النبض ويخرج مفارقا الحياة ...
الدورُ دورك .... ضع لنفسك قدما في المرحلة القادمة وأحجز مقعدا وارتدي حزام الأمان .