منذ بداية الألفية الثالثة ، والإنسان يعيش نمطاً متسارعاً للحياة ، ويشهد تراكماً للكثير من المشاكل التي تحتاج إلى الحلول ، ويراقب الكثير من النزاعات التي تحدث يومياً وتحتاج لاتخاذ قرار بشأنها ، ما وضع الفرد في دوامة سريعة الدوران جعلته يسير غير مدرك لما يمتلئ به العالم من حوله من الهبات والعطايا ، فلم يعد يدرك قيمتها ، إذ اعتاد على وجودها ، فصار الفرد يعيش مستهلكاً ما حوله من النِعم دون أن يلتفت ممتناً لأي منها ، متعذراً بما تضجّ به الأيام من الضغوط ، وبالتدريج وجد الإنسان المعاصر نفسه منعزلاً عما حوله من قيم وجمال ، وهو يجري لاهثاً خلف سراب لا ينتهي من المكاسب أو الخسائر ، دون أن يدرك أنّ كل نَفَسٍ فيه يحمل قيمة ، وأنّ كل خطوة يخطوها تحمل معجزة حقيقية تستحق الامتنان .
والامتنان عنصرٌ هام في تحديد مستوى حياة الفرد ، إذ يمكن له أن ينظر لأي تجربة بإحدى نظرتين ، إما بعين النقص أو بعين الرضا ، والحقيقة أن الشعور بالامتنان يجلب المزيد من النِعم ففي قوله تعالى " ولئن شكرتم لأزيدنكم " والنِعم تتعدى المكاسب المادية إلى كلّ ما تجود به حياة الفرد من الأشخاص ، والأماكن ، والتجارب التي تعطي طعماً للحياة ، فحتى أقسى الصفعات التي يمكن أن توجهها الدنيا للفرد تستحق الامتنان ، فهذه الصفعة في جوهرها تشكل تحدياً تم التخطيط له بإحكام لجعل الحياة أكثر عقلانية وواقعية .
والامتنان ليس مجرد فعل ، أو إجابة تلقائية لكل نافع تقدمه الحياة ، وإنما هو موقف ينمو بالممارسة وعن وعي تام بفوائده دون قيد أو شرط ، وإنّ تدريب النفس على ممارسة الشعور بالامتنان ، سيحوّل حركة العقل تلقائياً من اجترار الهواجس إلى الإحساس بالسكينة ، ومن التصلّب في مربع الجمود إلى فضاء واسع من الإبداع ، ومن ملازمة الرثاء للنفس إلى المواجهة والإقبال ، وإنّ التحدي الحقيقيّ يكمن في الشعور بالامتنان حتى في الأوقات العصيبة ، فاجتيازها لا شكّ تطلب شجاعة هي من حملتنا على خوض المخاطر والوصول إلى مرفأ الأمان .
وإننا في الأردن أكثر ما اعتدنا على خوض المصاعب و التحديات ، فأرض الأردنّ تشتهر بمحصولها الوفير من الشجاعة ، والإرادة ، والتصميم ، ونحن شعب اعتاد أن يقف كالسنبلة أمام الريح العاصفة مصراً على الفرح بموسم الحصاد ، وبعد كلّ ما كابدناه في الأشهر الأخيرة من ظروف العزل ، والحجر، والحظر لمواجهة جائحة الكورونا ، لا بدّ وأن نكون ممتنين لكلّ أردني وقف على خط المواجهة ، يتقدمهم قائد الوطن جلالة الملك عبد الله الثاني المعظم حفظه الله ورعاه الذي تابع أدق التفاصيل ووجه الشراع بتوجيهاته الملكية السامية ، والفريق المكلّف بإدارة الأزمة ، والجيش الأبيض من أطباء وممرضين وفرق تقصٍ ، وكل الامتنان لحماة الوطن و ذوي العيون الساهرة على حراسة الدفء والأمان والسكينة ، وزنودهم على المدفع والرشاش ، مروراً بالعقول التي أبدعت في ابتكار الجديد لتجعل تفاصيل الحياة ممكنة ، وكل من كان صدره واسعاً لتحمل الضغط والازدحام مقابل أن تصل خدمته لمن يحتاجها ، فكل الامتنان لكلّ من مدّ يده بالعطاء ، وأبدى ثغراً باسماً في حُلكة ليل الأزمة .