كونوا كالبنيان المرصوص يؤازر بعضكم بعضا ويشد بعضكم على أيدي بعض ويسند بعضكم بعضكم لتكونوا بنياناً مرصوصاً يشكل لبنة قوية من لبُنَات الوطن، الذي يَعلى عندما نَشُّدُ أزرَ بعضنا بعضاً ونسند بعضُنا بعضا، ولا وبل نحمل بعضنا أثقال بعض.
فالتشبية بأننا أعضاء في جسد واحد إذا مرض عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى هو تشبيه صحيح، فسلامة كل أعضاء الجسم ضرورية وهامة لسلامة الجسم بأكمله.
"والجسم الهام" الذي لا نستغني عنه هو الوطن، فهو الأم وهو الآب، هو الحضن الدافي الذي نستظل به ويقينا من ظلمة الأيام وطغيان الطغاة وعبث العابثين. لذلك شعارنا في الأردن بعد الله هو الوطن والملك. ف "وطني لو شغلت بالخلد عنه .. نازعتي إليه بالخلد نفسي". ولا بديل عن الوطن، لأن البديل هو اللجوء والتشرد وضياع الهوية والتيهان والذل والعار. فوطننا عرضُنا وكرامتنا وعزنا، وعند حد الوطن ترخص الأوراح فداء وتضحية وعطاء. لذلك نحيي كل يذود عن الحمى من عسكرين وأمنيين ومواطنيين، فكل مواطن شريف هو جندي في خندق الوطن، يزين جبيبنه بتاج الفخار والنصر.
ولكي ينهض الوطن يحتاج إلى تكاتف جميع أبنائه، واسنادُ بعضنا لبعض بدافع المحبة والتكامل، فلكل منا مواهب ووزنات سماوية وقدرات يجب أن نسخِّرها في سبيل رفعة وطننا، وليس باستهداف النجاح وخلق العثرات أمام الآخرين، فحتى اماطة الأذى عن الطريق صدقة، فكيف بدفع الأذى عن الإنسان!
كارثة عصرنا وَضْعُ المصدَمات والعثرات في طريق الآخرين، لتَعثُّرِ مسيرتهم التي هي جزء من مسيرة الوطن في البناء والانجاز، فنسبب لهم العثرة ليتعثروا ولا يكملوا مسيرتهم الحياتية في العطاء والإنجاز والبناء. وأمثال هؤلاء هم أولاً أعداء أنفسهم وأعداء للوطن. فالوطن لا يعلوا إلا بكل أبنائه، وبقدراتهم ومواهبهم وعطائهم.
فلننظر لنجاح الآخرين على أنه نجاح لنا، فاكتشاف علاج لفيروس كورونا مثلاً هو نجاح لكل الإنسانية وليس للمكتشف عينُه أو للبلد التي ينتمى إليها. هذه الروح وحدها هي التي تبني الأوطان وتغلب الروح الإنسانية وتعلِّيه. لنعمل أن يسودَ عالمنا نظاماً جديداً مبنبي على الكرامة الإنسانية والمساواة بين جميع البشر، صُنع خالقٍ واحد وربٍ واحد وإلهٍ واحد. وويل لمن يضع المصدمات والمعثرات في طريق أخيه الإنسان، فكما يقول السيد المسيح "خَيْرٌ لَهُ لَوْ طُوِّقَ عُنُقُهُ بِحَجَرِ رَحىً وَطُرِحَ فِي الْبَحْرِ، مِنْ أَنْ يُعْثِرَ أَحَدَ هؤُلاَءِ الصِّغَارِ." (لو 17: 2)