في ربيع العام الماضي، خرجت مع العائلة وبعض الاقارب في نزهة الى أحد الحدائق العامة. عندما وصلنا الحديقة، تركنا الاطفال يمرحوا عند ألعاب الاطفال وجلست مع البقية نستمتع بالجو الرائع والمكان الجميل. وبينما كنا مشغوليين نحن الكبار بتبادل الاحاديث شدنا صياح أحدهم. كان يأتي هذا الصراخ من ناحية الاطفال حيث لاحظنا رجلا يصيح بالاطفال ناهيا اياهم عن اطعام البط والابتعاد عنها خاصة -حسب زعمه- أن البط من أصول كندية عريقة. وأخذ ذلك الرجل يصور الاطفال مهددا أياهم بنشر صورهم على موقع الفيسبوك لارتكاب جرم اطعام البط الكندي. وعندما رانا ذلك الرجل الغريب الاطوار مسرعين تجاهه، ركب دراجته الهوائية وهرب من المكان واختفى من المكان تماما كلمح البصر. طبعا اشتكينا لأمن الحديقة وأخبرناهم بما حصل وبدورهم أكدوا لنا بانهم سوف يلاحقوا ذلك الرجل ويتخذوا بحقه ما يلزم وبأنهم سوف يعودوا لكميرات المراقبة المنتشرة بالحديقة للتأكد مما حصل.
حقيقة، على الرغم أن ما قام به هذا الرجل من جرم بحق الاطفال ومن أن طريقة معالجته للامر كانت سيئة خاصة فيما يتعلق بالصياح بوجه الاطفال وتصويرهم وتهديدهم والتنمر عليهم، الا ان قضية اطعام البط بالحدائق العامة لا تجوز وممنوعة منعا باتا وهذا ما لم يدر بفكر الاطفال وقتها. على الرغم من أن الامر يبدو جميلا وفيه لمسة حنان ورفق بالطيور الا ان ذلك لا ينبغي أن يكون لتعرضه مع القوانين. لان الامر ولو يبدو شكليا بأنه انساني وجميل ولكن قوانين البلدية تمنع اطعام البط لان الطيور قد تتحسس لبعض الاطعمة. وما قد نظن نحن معشر البشر أنه صحي ومفيد قد لا يكون كذلك بالنسبة للطيور والحيوانات. في ذلك الوقت لم يكن الاطفال تعلم بأن اطعام البط لا يجوز حسب تعليمات المدينة المحلية ولكن هو بالفعل فعل كذلك وقد يؤدي الى مخالفات.
ما يلفت النظر بهذه الواقعة أن الاطفال عندما يتركوا لطبيعتهم فانهم بالطبع سوف يطعموا الطيور والحيوانات غير مبالين لتعقيدات البشر وقوانينهم وسوف تقودهم فطرتهم لما يظنونه صحيحا. وكذلك الطيور نفسها لا تتقيد بقوانين البشر وتعقيداتهم، حيث جاءت من كل نواحي الحديقة لتناول الحبوب والطعام اللذيذ غير مبالية فيما اذا كان الطعام صحيا أو غير ذلك. فهي عندما تشاهد "كسرات" الخبز والحبوب ملقاة على الارض فانها تطير اليها من كل صوب معلنة فرحها عبر الاصوات الجميلة التي تصدرها وتلتهمها بشغف منقطع النظير. وذلك الرجل غريب الاطوار على الرغم ان سلوكه فيه كل الهمجية في التعامل مع ما حصل وعالج الامر بشكل خاطئ جدا وسمح لنفسه بانتهاك خصوصية الاطفال وخاطبهم بفوقية خدشت مشاعر الطفولة عندهم وقد يؤثر ذلك عليهم نفسيا مدى الحياة، الا أنه كان يحاول تفعيل قانونا من البلدية ظانا أن ما يقوم به صحيحا. فكل شخص يتصرف من منظاره الخاص.
وبرأيي فان لقانون منع اطعام الطيور بالحدائق العامة فلسفة مضمونها بانه يجب ترك مسافة بين بني البشر وبين باقي المخلوقات في ذات المكان كالطيور والحيوانات الاخرى. حيث أن جميع الكائنات المفروض أن تترك لطبيعتها حسب فطرتها و يجب تركها تتعامل مع مكونات الطبيعة الجميلة دون تدخلات. فاطعام الطيور بطعام مشترى من "السوبرماركت" على الرغم من أنه يبدو طبيعا لنا نحن معشر البشر الا انه "برأيي" ليس كذلك. لأن الطيور سوف تجد كل ما تشتهيه في الحديقة بغض النظر اطعمها الانسان أم لم يطعمها لان كل كائن يجد بالطبيعة ما يروي عطشه وما يسد جوعه. وصدق أبو تمام عندما وصف جمال الطبيعة في العراق:
يا طائرانِ تمتعا هنيتما *** وعِمَا الصَّباحَ فإنني مَجْهودُ
إلفانِ في ظلِّ الغصونِ تألفا *** والتَفَّ بَينَهُما هَوى مَعْقُودُ