في حال وصول الأردن إلى المنطقة الخضراء، سيعود الطلبة إلى مدارسهم”، هكذا يقول وزير الصحة د. سعد جابر في مؤتمر صحفي أمس، بينما عاد وزير التربية والتعليم د. تيسير النعيمي إلى التأكيد، في المؤتمر الصحفي ذاته، على أن العام الدراسي المقبل سيكون كالمعتاد.
النعيمي، كان أكد الأسبوع الماضي أن الطلبة "سيعودون إلى مدارسهم” مطلع أيلول (سبتمبر) المقبل، حاسما بذلك جدلا واسعا أثير حول نية الوزارة التعليم عن بعد.
لكن التناقض بين كلام الوزيرين أمس، أعاد الجدل من جديد. كلام جابر واضح بعدم العودة للمدارس ما لم نحقق العلامة الكاملة بعشرة أيام من دون تسجيل إصابات محلية، بينما يدل كلام النعيمي، ربما، على عودتهم للمدارس، أو ربما على أن موعد العام الدراسي ثابت، من دون أن نعرف شكل الدراسة!.
إذن، العام الدراسي ما يزال يكتنفه الغموض، ما بين عن بعد أو من قرب، أو مدمج بين الأنموذجين، فوصول الأردن إلى المنطقة الخضراء يتطلب مرور عشرة أيام من دون تسجيل أي إصابة داخلية بفيروس كورونا، وهو الأمل الذي تشبثنا به كثيرا، إلا أنه لم يتحقق، خصوصا خلال الأسابيع الأخيرة التي كان يتم فيه تسجيل الإصابات خلال الأيام الأخيرة من اليوم المنتظر.
الطلبة الذين يستعدون لبدء عامهم الدراسي الجديد تتجاوز أعدادهم 2.1 مليون، وهو عدد كبير إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الإجراءات المطلوبة لكي يظلوا في أمان. لكن الأمر، ربما، يتجاوز الطلبة ومسائل السلامة العامة حين النظر إلى الأهالي الذين سيضطرون إلى اختبار عام جديد من الدراسة عن بعد، خصوصا أن كثيرا منهم اليوم منخرطون في أعمالهم، وليس مثلما كانوا خلال العام الدراسي الماضي حين كان الحظر الشامل مطبقا على الجميع، في ما تم منح كثير من الأمهات "مرونة” في الدوام لكي يبقين إلى جانب أبنائهن.
اليوم، يتجدد المشهد من جديد أمام العائلات، لكنها فقدت المرونة السابقة في دوام الأمهات، وإذا ما تم إقرار التعليم عن بعد فستواجه العائلات مشكلة حقيقية في ترك الأبناء وحيدين في البيوت لكي يتدبروا أمر دراستهم بأنفسهم.
في الجهة نفسها، ما تزال العائلات تنظر إلى عملية التعليم عن بعد على أنها غير مكافئة للتعليم التقليدي، فالتعليم في مفهومه الواسع ليس مجرد تدريس مواد صماء، وتعليم شكل الأحرف والكلمات، وإنما هو بيئة متكاملة يتعلم الطلبة فيها التعامل واتخاذ القرار وصقل الشخصية والانتماء وعقد الصداقات والتقبل، بينما في حال كان عن بعد، فإن كل تلك الأمور سوف تتلاشى.
ومن أحساسها بعدم جدوى التعليم عن بعد، تنتظر العائلات وضوحا من الحكومة، لكي تستطيع تدبر أمر أبنائها، خصوصا أن هناك كثيرين أكدوا أنهم سيعمدون إلى نقل أبنائهم من المدارس الخاصة إلى الحكومية في حال إقرار التعليم عن بعد.
ربما لن يكون قرارا سهلا، ولكن حين يضطر الأهل إلى تدريس أبنائهم بأنفسهم، وحين يكون تدخل المدارس في حدوده الدنيا، فعندها سوف يمكن فهم هذا التوجه.
لعل القرار بإعادة تجربة التعليم عن بعد سوف يكون ضربة قوية، إذن، للمدارس الخاصة التي ربما يواجه بعضها الإغلاق إن لم يتمكن من استقطاب عدد "مريح” من الطلبة يكفي لسد كلفه التشغيلية، خصوصا المدارس الصغيرة والمتوسطة، بينما ستواجه الكبيرة مشاكل أخرى، وبالتالي ربما نكون أمام سيناريو خسارة عدد كبير من معلمات ومعلمي القطاع الخاص لوظائفهم، وهبوطهم إلى صف العاطلين عن العمل.
أهالي طلبة، يشتكون كذلك، من أن أبناءهم أصبحوا أكثر عزلة خلال الأشهر الأخيرة، ويميلون إلى الوحدة والتعلق بالعالم الافتراضي أكثر من الواقع، مرجعين ذلك إلى العطلة الإجبارية الطويلة التي أبقتهم في بيوتهم. وفي حال عام جديد من التعليم عن بعد، فسوف تتجذر مثل هذه الحالات، ولن يكون من السهل إعادتهم إلى الواقع من جديد.
في النهاية، العام الدراسي الجديد ما يزال في موعده. أما شكله فهو غامض، ولا أحد يستطيع التنبؤ به.. كما لن نستطيع التنبؤ بآثار أي شكل ستقرره الحكومة.