في عام 2017 أجرى المؤرخ عمر العرموطي مقابلة هامة مع الإمام الصادق المهدي / رئيس وزراء السودان الأسبق أثناء مشاركته في مؤتمر الإسلام والتحديات المعاصرة / في ظلال رسالة عمان٠٠من الجدير بالذكر أنه يرأس اللجنة التحضيرية لهذا المؤتمر معالي الدكتور عبد السلام داود العبادي/ وزير الأوقاف الأسبق.
وقد تحدث الإمام المهدي انذاك عن قضايا الساعة بما فيها وجهة نظره فيما يتعلق بسد النهضة٠٠٠٠ وتاليا نص المقابلة كما وردت في جريدة الديار الأردنية ٠٠٠
رئيس المنتدى العالمي للوسطيّة رئيس الوزراء السوداني الأسبق
الصادق المهدي: لولا غزو أفغانستان ما كانت "القاعدة".. ولولا احتلال العراق ما كانت "داعش".
الدولة الوطنية في بلادنا تعاني من فجوة عصرية وشرعية.
لا بد من الحل الدبلوماسي والمصلحي لبلدان الحوض في مسألة النيل.
السودان سلة الغذاء العالم العربي.. الاستثمار العربي يجب أن يكون فيها بالدرجة الأولى
فلسطين قضية محورية.. وما يجري معيب إنسانياً وسياسياً
في هذا الحوار المكاشف والموضوعي مع رئيس المنتدى العالمي للوسطية رئيس الوزراء السوداني الأسبق الإمام الصادق المهدي نقف على كثير من الحقائق المهمّة في ما يتعلق بما تتعرض له البلاد العربية والإسلامية من مشكلات، وما يتوجب علينا أن نفهمه سياسياً ودبلوماسيّاً من أنّه لا بدّ من قراءة الواقع والانطلاق نحو التكامل بدلاً من التناحر الذي يعم شتى أرجاء المعمورة العربية والإسلامية.
يقول المهدي، الذي يحل ضيفاً على الأردن مشاركاً في مؤتمر الإسلام والتحديات المعاصرة في ظلال رسالة عمان، إنّ مفهوم الدولة الوطنية يستدعي أن نعترف بأنّ فجوةً عصريةً وشرعية تستلزم منّا أن نتفهم ما يجري في دول المنطقة، مؤكداً أهميّة الظرف العصيب الذي تعاني منه أمتنا العربية والإسلامية.
ويثمن المهدي عالياً رسالة عمان باعتبارها بياناً للناس نحو إنسانية تعامل الإسلام مع غيره ومحيطه الإنساني، فهو دين يستند إلى القيم والأخلاق وهو أنموذج حي في تمدده عبر العالم خصوصاً في إفريقيا وآسيا، ولذلك فإن هذه الرسالة هي بيان حضاري ومهم يوضح الصورة الحقيقية للإسلام.
سؤال: شهدتم، وكنتم شهوداً على عصر مليء بالتناقضات، الآن تتجلّى مظاهرُه في هذه الاضطرابات الحاصلة. ما هي الرسالة التي توجهونها إلى المسلمين بعمومهم من مختلف أنحاء هذا العالم باعتباركم أيقونة سياسيّة كما وِصفتم في عالم السياسة؟
جواب: أولاً أنا أقدّر هذا الحديث، وأعلم أهميّة الإعلام في توصيل الرسالة الحقيقيّة والتنويرية، وأفرح وأنا أزور الأردن إن عمان صارت من أكثر العواصم العربية إنتاجاً للسلعة العامة، وهي السلعة التي لا تؤكل ولا تُشرب، ولكنّها تغذي القلوب والعقول، فأهنئكم على ما في الأردن من هذا النشاط المستمر، وألخص كلامي في عبارة أنّ أمتنا تعاني الآن من مشاكل كثيرة جداً سياسياً وفي القيم الحضارية والتعامل مع العالم الآخر والحضارات الأخرى، وهذه المعاناة تبدو وكأنها احتضارٌ من شدّة ما فيها من خطورةٍ وأذى.
والرسالة التي أوجّهها هي أنّه في ظلّ هذه الظروف العصيبة ينبغي أن تتضافر كلّ القوى الحيّة لهذه الأمة لتجعل من هذا الاحتضار مخاضاً لفجرٍ جديد، وفي رأيي فإنّ هذا ليس فقط ممكناً، ولكنّه ضروري جداً لأن الخير في هذه الأمة معهود ومنتظر ومتوقع ومن واجبنا أن نكون رسلاً لهذا الخير إن شاء الله.
سؤال: دولة الضيف الكبير، من خلال عملكم السياسي الطويل وإرثكم الكبير، ما هي نظرتكم لمستقبل الإسلام في القارة الإفريقية؟
جواب: كما هو معلوم في التاريخ البشري وبالنسبة لإفريقيا شمال الصحراء، فهي بلاد يغلب عليها الإسلام، وينبغي أن نؤكد أنّ إفريقيا جنوب الصحراء كان دخلها الإسلام سلمياً ووضعها في الوقت الذي كانت فيه الدولة والنظام السياسي الإسلامي في أضعف حالاته.
هذا النظام السياسي الإسلامي كان مرّت عليه نقاط ضعف كثيرة وهو في أضعف حالاته، وقد تمدد في إفريقيا جنوب الصحراء، وفي جنوب شرق آسيا كما أنّه يتمدد الآن في الغرب الأوروبي والأمريكي أي أنّ الإسلام حباه الله مقوماته الذاتية، ولنقرأ "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"، مثلما حباه الله بإمكانات ذاتية تجعله يتمدد رغم الضعف السياسي لحملة رسالته في العالم. وفي رأيي فإنّ هذه الحقيقة ما زالت ظاهرة في إفريقيا جنوب الصحراء، فالإسلام قد دخل وتمدد فيها بصورة واضحة وما يزال يتمدد هناك بإمكاناته الذاتية التي حباه الله بها عبر التاريخ.
سؤال: نسأل سؤالاً حول وادي النيل الذي يتكون من مصر والسودان، وهي كما تعلمون وحدة أزلية منذ فجر التاريخ حتى اليوم، وهي تكاملية سياسية واقتصادية، ما هي نظرتك لوادي النيل في الوقت الراهن وفي المستقبل؟
الجواب: العوامل نفسها التي جرفت الوحدة الإسلامية عامة هي مسؤولة أيضاً عما يحدث من الخلافات والتمزق والتشقق، وفي رأيي فإنّ هناك أسباباً سياسية وفكرية مسؤولة عن وجود حالة استقطاب حاد سوداني مصري، وفي رأيي أنّ هذا الاستقطاب الحاد يتطلب وعياً بأسبابه للاتفاق على استراتيجية واحدة تحقق المصالح التنموية التكاملية وتستجيب للعلاقات الأزلية بين البلدين، فحتى إذا كان البلدان يشكلان نظماً ذات سيادة مستقلة عن بعضهما بعضاً، فهذا لا يمنع من وجود عوامل تكاملية توفق ما بين استراتيجية التكامل والتعايش بين نظم ذات سيادة مستقلة.
سؤال: عطفاً على هذا الحديث، والنيل هو هبة الله، ونهر النيل هو روح بالنسبة للسودان ومصر، هل هناك مخطط او مؤامرة تجري على هذا النهر لحجز مياهه من منابعه وقبل وصولها السودان ومصر من خلال تغيير مجراه والسدود العملاقة التي تهدف إلى هذا الحجز المتعمّد؟
جواب: في رأيي هذا الموضوع يُساء فهمه كثيراً، وأنا أعتقد أنّ الموضوع ليس تآمراً، بل هو وجود خلافات في المصالح وهذه الخلافات كانت تتطلب نظرةً وحدوية لمصلحة حوض النيل كلّه، وفي رأيي فإننا في السودان وفي مصر أخطأنا في أننا عزلنا بقية حوض النيل عندما أقدمنا على إبرام اتفاق 1959، وفي ذلك الوقت كانت بريطانيا تسيطر على دول الهضبة الاستوائية أوغندا وكينيا وكانت أثيوبيا تطلب أن تشترك في هذا التقسيم الذي عزمت عليه الدولتان مصر والسودان في عام 1959 كما طالبت بريطانيا أن تشترك بصفتها مسيطرة على هضبة النيل الاستوائيّة ولكننا فضّلنا نحن- السودان ومصر- أن نقوم بتقسيم مياه النيل ثنائياً بيننا وفي رأيي فإنّ هذا سبب مهم في استفزاز دول الحوض الأخرى وهي دول منابع وهو ما خلق حالة استقطاب بين السودان كدولة مجرى ومصر كدولة مصب ودول المنابع في الهضبة الاستوائية والهضبة الأثيوبية. أما التفكير في السدود في أثيوبيا وكذلك في الهضبة الاستوائية فهو ليس تفكيراً مركزاً على مسألة الري، لأنّهم يمتلكون الري الطبيعي بالأمطار، ولكن تفكيرهم نابع في الحقيقة مما أتاحته التكنولوجيا الحديثة من إمكانية إنتاج الكهرباء من المساقط العالية، والفكرة هنا بالنسبة للسد الأثيوبي هي فكرة الإنتاج الكهربائي. الإنتاج الكهربائي في سد النهضة والهضبة الأثيوبية العالية للغاية ينتج هذه الكهرباء بتكاليف تبلغ ثلث التكاليف بالنسبة لنا في بقية حوض النيل وحين يفكرون باستخدام هذا الإنتاج الكهربائي لدعم التنمية في بلادهم، فإنّنا يجب أن نفهم ذلك، وأعتقد أنّ تلكؤاً كثيراً حصل في النظرة المشتركة فدخل عامل ردة الفعل لما فعلنا نحن في عزل دول الحوض الأخرى عن هذا التفاهم.
برأيي لا توجد نظرية مؤامرة، فهو خلاف في المصالح، وأعتقد أن القائلين بأنّ الأمر ينطلق من تدابير عدائية هو رأي غير صحيح، فهناك خلاف في المصالح وأعتقد أن أثيوبيا مستعدة كما قالت أن تنظر لمستقبل مشاريع التنمية في حوض النيل على أساس تكاملي ومصلحة مشتركة. وأؤكد في هذا المجال دور السودان المهم كجار مشترك لأثيوبيا، وباعتبار السودان المنتج الأكبر لمياه النيل ومصر بصفتها المستهلك الأكبر لمياهه، أقول إنّ دور السودان العملي ليس على أساس الاستقطاب وبالتالي المواجهة، وإنما بالتوفيق وبالتالي التعاون. وهذا رأي كان وما يزال ممكناً، ومع أنني لست مهندس ري، ولست مؤهلاً فنياً لهذا الموضوع، فقد قمت باجتهاد وكتبت كتاباً طبعته مطابع الأهرام في مصر بعنوان "مياه النيل: الوعد والوعيد"، وقد قلت فيه ببساطة شديدة إنّ مقومات التعاون والتفاهم بين دول الحوض موجودة وكذلك فإن أسباب النزاع موجودة، فإذا ما تفاهمنا نحقق الوعد وإذا ما اختلفنا فإننا لن نحقق سوى الوعيد.
سؤال: إمتداداً للمحور الذي طرحته من أن الإسلام تمدد موضوعياً بمقوماته الذاتية، دعني أسأل حول نظرية المؤامرة، هل هناك تدبير خفي للاشتغال على إظهار الإسلام ندبةً أمنيةً في المنطقة، نحو تفتييت وتجزيء لا يحقق التكامل الذي تطمحون إليه؟
جواب: أولاً نتحدث عن "الإسلاموفوبيا" التي عمت الآن مناطق كثيرة في الغرب، وفي غير الغرب من البلاد الأوروبية، والحقيقة أنه لولا غزو أفغانستان ما كانت "القاعدة"، فالقاعدة كانت نتيجة مباشرة لما حدث من غزو في أفغانستان ولولا احتلال العراق ما كانت "داعش"، فداعش نتيجة مباشرة لاحتلال العراق واضطراب التوازن السني الشيعي في العراق.
إذن، عملية تحميل الإسلام المسؤولية عن القاعدة وداعش خطأ جسيم، مع اعترافنا بأنّ هناك عناصر منتمية إلى إسلام انطلقت من اجتهاد معيب وناقص في مفاهيم إسلامية فقامت باستغلال هذه الظروف وقادت القاعدة وداعش، ولكن يجب أن ندرك تماماً أنّ الروافع الأساسية للقاعدة وداعش خارجية.
النقطة الثانية التي أحب أن أؤكدها هي أنّه ما من شك بأنّ الدولة الوطنية في بلادنا، وهذا الموضوع الذي سنتطرق إليه في المؤتمر، تعاني من أشياء كثيرة، فهي تعاني من فجوة شرعية باعتبار أنها تُقاس على التطلع للخلافة، وتُقاس على التطلع للوحدة العربية، فعندما تقاس على هذه الأهداف المثالية فإنّها تظهر عليها فجوة الشرعية، وكذلك هناك مشكلة الجدوى، وفي العالم الحديث فإنّ الدولة الحديثة جدواها في أنها تُقاس بالمشاركة بين الحاكم والمحكوم كما تقاس بتحقيق التنمية القادرة على توفير سبل المعيشة وعلى توفير سبل الأمن، والقادرة على توفير سبل الدفاع والقادرة على توفير وتحقيق العدالة الاجتماعية ضد الفقر والبطالة، وهذا مقياس آخر.
المقاييس المهمة هذه بالنسبة لجدوى الدولة الحديثة بالإضافة إلى فجوة الشرعية خلقت ظروف ضعف في الدول العربية وظهر هذا بصورة كبيرة في كثير من الدول وللأسف لدينا الآن عدد كبير من دولنا العربية صارت دولاً فاشلة، والحاصل أنّ هذه المسائل من ناحية الفجوة الشرعية وفجوة الجدوى العصرية خلقت هذه الحالة، وما من شك بأنّ هنالك أعداء تاريخيين واستراتيجيين وهم بالتأكيد وراء خلق وغرس إسرائيل في المنطقة، وصارت المصلحة لدى الإسرائيليين بشكل أساسي أن تستثمر نقاط الضعف عندنا، لأنها تعتبر أنّ هذا الوجود العربي الإسلامي سيكون على حسابها لأنها مغتصبة لحقوقهم وفي الوقت نفسه هناك دعم استراتيجي خارجي دولي لإسرائيل، وهؤلاء سيتحدثون عما يسمى حروب الجيل الرابع، وهي حروب تستغل نقاط الضعف لدى الدول لكي تهزمها، أي أنها تهزم الدول عن طريق حرب الجيل الرابع هذا بعوامل ضعفه الذاتية، وفي رأيي فإنّ هذا ما يجب أن ننتبه له وأن نواجهه باعتبار أن من واجبنا كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "توشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها"، وتعرفون بقية الحديث حين قيل: أقلّة نحن يا رسول الله؟!.. فقال لا، أنتم كثيرٌ ولكنكم غثاءٌ كغثاء السيل! وفي رأيي فإننا يجب أن ننتبه لهذا الأمر وننزع عن أنفسنا حالة الغثاء هذه باعتبار "كنتم خير أمّة أخرجت للناس..."، فهذا وعد إلهي ولكنّه لن يتحقق بصورة تلقائية، فعلينا واجبات لنستحق هذه الخيرية، فهي خيرية ليست عنصرية، بل موجودة بواجبات معينة، فإذا ما تقاصرنا عن هذه الواجبات في الحقيقة نكون قد تخلينا عن شروط هذه الخيرية. فأنا أعتقد أنّ من واجبنا الآن أن نستشعر ضرورة أداء شروط الخيرية هذه لنستحق هذه الخيرية.
سؤال: ما رأيكم بفكرة تشكيل مجلس حكماء من شخصيات تتمتع بالكفاءة والوزن والإخلاص في العالم الإسلامي؟
الجواب: في رأيي هذا واجبٌ ديني ووطني وإنساني في هذا الوقت لأننا الآن يجب أن نتنبّه إلى أن الحروب الموجودة حالياً في منطقتنا لا يمكن حسمها عن طريق القوة. وبرأيي فإنّ هذه الخلافات الحادة والحروب المستعرة الآن في أكثر من دولة عربية تتطلب قياماً عاجلاً بمهمة إطفاء هذه الحرائق، وهذه المهمة يمكن أن تجري على الصعيد الدبلوماسي، إذ لا يمكن أن تُحسم عسكرياً ما يتطلب أن تحسم توفيقياً. الآليات الدبلوماسية مقيدة بظروف الدبلوماسية نفسها فلا تستطيع أن تقوم بهذه المهمة وهو ما يستوجب التطلع لحركة حكماء مخلصين ملتزمين بأهداف ومصالح الأمة، يقومون بمهمة التشخيص للمشكلة لأنه لا تحرك ذا معنى ما لم يُتفق على التشخيص للمشكلة، ومن لا يتبين الهدف لا يتبين الطريق.. فلا بد أن يكون هناك تشخيص متفق عليه ومن منطلق التشخيص هذا نحدد "الوصفة" العلاجية وأن يقوم هؤلاء الحكماء الذين يتنادون لكي نكوّن مجموعات عمل في كلّ المجالات للتخلي عن المواجهات الموجودة حالياً وإنهاء الحروب غير المثمرة هذه والاتفاق على مستقبل توفيقي لا بد منه.
وأذكر أن نيكسون الرئيس الأمريكي السابق كتب بعنوان " نصر بلا حرب" وكان يعلق على الحرب العراقية الإيرانية فقال في هذا الكتاب "لو أن إنساناً طُلب منه أن يتمنى حرباً فهو يتمنى هذه الحرب!"، ولو قيل له ماذا تتمنى بعد وجود هذه الحرب لقال أن تستمر بلا نصر لأحد الطرفين، وهذا سر ما قال، فهو يعني أن كثيراً من القوى تراهن على ذلك، وهذا القول ردده كسينجر أيضاً، فهي مراهنة على أن هذه المنطقة تشتبك في حروب مستمرة ولا يمكن أن تحسم انتصاراً لأحد طرفيها وبذلك تكون الأمة قد قضت على نفسها بنفسها.
سؤال: هل هناك تخوف من ارتدادات الولاءات والعصبيات إلى الخارج، خصوصاً والبلدان أحوج ما تكون إلى التكامل بهذا التنوع الموجود. والسودان في الحقيقة مثال حي على هذا التنوع؟
الجواب: أخي العزيز، في السودان وفي غير السودان الاستبداد ونفي الآخر وحجر الحرية الفكرية والحرية السياسية تؤدي إلى طريق مظلم، وهذه الحقائق هي التي أدت إلى احتقان فكري وسياسي وجعلت القبائل تتحول إلى قوى عصبية محلية وطائفية وإثنية هائلة للغاية. وفي رأيي وببساطة شديدة فإنّ تطاول عهود الاستبداد هو الذي أدى لخلق هذه الحركات التفكيكيّة ولذلك يجب أن يُحمّل الاستبداد مسؤولية أنّه المسؤول مثلما قلنا عن مسؤولية الخارج عن مسألة الإرهاب والتطرف، فتطاول عهد الاستبداد مسؤول عن خلق الظروف التي أدت إلى ردود الفعل المفككة هذه. وبالنسبة لنا نحن في السودان فإنّ المطلوب هو اجتهاد فكري وسياسي يواجه هذه الظروف ويحتوي على عوامل التشظي هذه.
وفي تقديري وبشكل عام فإنّه لا بدّ من إنقاذ الدولة الوطنية وكذلك إنقاذ الوحدة في الإطار العربي والإسلامي على أساس تعاهدي باعتبار أنّ الآلية التعاهدية هي الدولة وهي الوسيلة الأفضل لتحقيق الوحدة بين الدول المختلفة.
سؤال: من المفترض أن تكون السودان سلّة غذاء للعالم العربي!.. ما مدى تحقيق ذلك؟
جواب: بدءاً أقول إنّ السودان حتى بعد انفصال الجنوب به 120 مليون فدّان صالحة للزراعة إذا قسنا هذا بالنسبة لمصر مثلاً التي بها 10 مليون فدان صالحة للزراعة، وكذلك في أثيوبيا هناك 10 مليون فدان صالحة للزراعة، والسودان كذلك به 120 مليون رأس ماشية، وهذه الماشية تعيش في ظروف المرعى الطبيعي، وهذه مقومات تؤكد أن يكون السودان مصدر غذاء للمنطقة والعالم، ففكرة سلة الغذاء هذه تقوم على مسائل موضوعية، لأن السودان عنده نصيب في مياه النيل باعتباره أطول مجرى للنيل في الأراضي السودانية، وكذلك السودان فيه مناطق بها أمطار تصل حوالي مليار متر مكعب سنوياً وهذه المياه يمكن حصادها أو حصاد جزء منها، وأيضاً في السودان بحيرات مياه جوفية، فإذا ما حسبنا هذه المقومات جميعها يمكن الاستفادة من ذلك، ولكنّ الواقع يشير للأسف إلى عكس هذه التمنيات، فأنا أتحدث عما يمكن استثماره من هذه المقومات، أنا أتحدث عن سوء الإدارة والمشاكل.. ولذلك فإن الاستثمار لأموالنا العربية لا يجب أن يكون في الغرب بل في السودان وإفريقيا جنوب الصحراء، لأن العوائد الرأسمالية مسألة مهمة في ذلك. الآن كما تعلم أمريكا وأوروبا واليابان والصين يتكالبون على الاستثمار في الموارد الأفريقية، وهذا برأيي يحتاج إلى صحوة تنموية عربية توجه الاستثمارات العربية نحو السودان وإفريقيا جنوب الصحراء باعتبار أنّك هنا تستثمر على مستوى من "الندية" ولكن في بلاد الغرب أنت في الواقع تستثمر تحت وصايتهم.
ولا بدّ من أن أقول هنا إنّ قانون جستا هو قانون جائر للغاية لأنه أجازه الكونغرس الأمريكي رغم حق النقض الذي مارسه أوباما، وطبقاً لذلك فإنّ ثلثي الكونغرس وافق على قرار القانون، ولذلك فالفيتو أو حق النقض الفيتو لا يجدي، ولذلك تم تشريع قانون جستا. هذا القانون الذي يعني أن أي مواطن أمريكي تضرر من حركة 11 سبتمبر يستطيع أن يرفع قضية على المملكة العربية السعودية. ولذلك فلا يمكن عقلاً ولا قانوناً الربط بين تصرف مواطن في جريمة فردية ودولته، ولكن هذا القانون قام بعملية تجنٍ قانونية تشريعية، وعلينا أن نناقش كذلك قضية لوكيربي وفرض 10 مليون للأسرة الواحدة تعويضاً أُخذ من ليبيا... هذا محزن! وهذا إرهاق واستنزاف وذبح مالي متعمد، باعتباره وسيلة ذكية لمنجم دولارات، فلذلك يجب أن نتفق على استنكار قانون جيستا هذا لاستنزافه الموارد المالية للملكة العربية السعودية بلا حدود.
سؤال: تراجعت القضية الفلسطينية في سلّم الأولويات فأصبحت ثانوية في المؤتمرات والاجتماعات الهامة وعلى الصعيد الإقليمي والدولي بسبب تقدم المشاكل الأخرى عليها!.. ما هو تعليقكم على ذلك؟
جواب: تعليقي هو أنّ من أكبر العيوب التي نعاني منها الآن هذا الموضوع، فلا شيء يساوي الظلم الواقع على أهلنا في فلسطين والعرب المتضررين من التوسع والعدوان الإسرائيلي، وهذا يعني أنه مطلوب اليوم وبإلحاح وحدة في الموقف الفلسطيني والعربي والإسلامي بل والإنساني حول هذه القضية، لأنه يجب أن يكون واضحاً أنه لا مستقبل لهذا المنطقة بسلام ووئام ما لم يكون هناك انتصار للحقوق الفلسطينية والعربية.