ليست مشيئة الله القتل والدمار والتشريد ورائحة الدم والحرمان والفقر والجهل، وليست مشيئة الله أن يستحكم الإنسان في أخيه الإنسان ويستغل منصبه ونفوذه وجبروته، وليست مشيئة الله أن يستعبد الإنسان أخيه الإنسان ويسخره اداة لخدمة مصالحة وزيادة نفوذه ومضاعفة أمواله وثرواته، وليست مشيئة الله أن يمارس الظلم والقهر واستعباد الشعوب واحتلالها، وليست مشيئة الله ممارسة التمييز العنصري والجندري وانعدام المساواة وغياب العدالة.
فكل هذه ممارسات بشرية لا تخلو من فساد الطبيعة البشرية المنحرفة عن مسارها الإلهي في تمجيد الخالق بإقامة العدل والسلام وتحقيق المساواة واعلاء شأن الكرامة الإنسانية.
هذا ما جعل البشرية تدفع ثمن النزعة الشريرة في قلب الإنسان الذي يخال له أنه يحقق بذلك ذاته ويشبع كبرياءه وغروره ويخضع الآخرين تحت سلطته وامرته ورغباته.
والأخطر عندما يستخدم الدين لتبرير هذه الممارسات البعيدة كل البعد في فكر الله وقلب الله، لا بل ويتم نسبتها إلى الله، وكأن الله اله قببلة او عشيرة يعنى بالبعض على حساب الكل ويميز بين خليقة يديه التي تفنن في خلقها وشكلت تكاملا وتنوعا وتعددا ولكن لا لتقع فريسة الغرور والكبرياء والأنانية.
لقد آلمنا ومزق قلوبنا الانفجار المشبوه في لبنان قبل يومين، وبالتحديد في العاصمة الحبيبة بيروت قلب العروبة النابض بالجمال والفكر والثقافة والحرية والإنفتاح، ويبقى السؤال، ما مستقبل عالمنا العربي؟ فهل الى مزيد من التشرذم والتعصب والانغلاق والدمار أم الى النهوض من تحت الركام للإرتقاء الى مصافي الدول المتقدمة والانخراط في الحضارة الإنسانية التي تقدس الانسان مهما كانت عقيدته وايمانه، وتترك ذلك كعلاقة خاصة بين الانسان وربه، واللجوء الى الخلاص بإعلاء شأن المواطنة والوطن الذي لا وطن لنا سواه. فنحن مدعويين من الله لنبني وطننا الأرضي بقيم السماء وعيوننا شاخصةالى الوطن السماوي.
هذه هي مشيئة الله لا ان نزرع دمارا وقتلا وتشريدا وخرابا، بل ان نفكك منظومة الفساد ومن يدور في فلكها وأن نعيد حبنا لبلادنا وأوطاننا بالصدق والإنتماء والعمل والتعب، وان نعطي ما لقيصر لقيصر وما لله لله، فلا نزج الدين بأمور السياسة فيفرغ من مضمونه الروحي والانساني ويجير لخدمة مصالح استعمارية وتوسعية وشخصية، ولا ندين(بالشدة على الدال) السياسة فيصبح الدين مطية لتنفيذ مآرب السياسة. كفانا من يتاجرون باسم الدين وهم اصلا لا يقيمون له وزنا، ومن يملؤون جيوبهم باسم الدين والدين منهم براء، ومن ينهشون لحم الإنسان متظاهرين بالتمسك الخارحي والظاهري بالصوم والصلاة والصدقة. كفانا مراءاة ونفاقا ونحن نرى الخراب والدمار من حولنا وانهيار النظم والمنظومات الفكرية والثقافية والروحية.
مشيئة الله أن نرى معجزة التغيير بالنهوض واستنهاض الهمم، بسياسة الاعتماد على الذات وحرث الأرض الطيبة بعجولها والاشارة الى عين الفساد وعدم الاكتفاء ببيانات الاستنكار والشجب.
بلادنا المشرقية مقدسة بفعل الهي فلا يجب أن نفقدها قداستها بأفعالنا وعيون العالم ترنو اليها.
فنردد مع سفر المزامير "أَنْ أَفْعَلَ مَشِيئَتَكَ يَا إِلَهِي سُرِرْتُ. وَشَرِيعَتُكَ فِي وَسَطِ أَحْشَائِي (مز ٨:٤٠)