كان قرار التعريب قرارا مفصلياً في حياة الأردن السياسية والعسكرية، وكان المغفور له بإذن الله الحسين بن طلال يدرك أبعاد خطوته الخطيرة والجريئة وما سيترتب عليها ولكنه كان مؤمناً واثقاً بنفسه وبمن يعمل معه على صعيد القوات المسلحة.
حضر رئيس الوزراء في تلك الفترة دولة المرحوم سمير الرفاعي إلى رئاسة الوزراء وكان ذلك في الأول من أذار 1956م وكان دولة المرحوم بهجت التلهوني رئيساً للديوان الملكي العامر وحضر أيضاً لدار رئاسة الوزراء الزعيم راضي عناب ومعه مجموعة من ضباط الجيش العربي في الساعة الحادية عشر صباحاً، طلب رئيس الوزراء عقد جلسة خاصة لمجلس الوزراء حيث تم استدعاء الوزراء وتم إبلاغهم برغبة جلالة الملك بإنهاء خدمات الفريق كلوب والضباط الإنجليز من قيادة الجيش العربي، وترفيع الزعيم راضي عناب إلى رتبة لواء وتعينه رئيساً لأركان الجيش العربي، بعدها قام رئيس الوزراء باستدعاء الفريق كلوب و أبلغه بقرار إنهاء خدماته من رئاسة أركان الجيش العربي، ثم قام كل من دولة بهجت التلهوني وفلاح المدادحة وزير الداخلية بمرافقة كلوب من منزله إلى المطار، وكانت هناك تعليمات مشددة إلى قائد الطائرة الأردني الذي أقله بأن لا تتوقف الطائرة في أي مطار أردني مهما كانت الأسباب، وبالفعل تم نقل كلوب من عمان إلى قبرص ومنها إلى لندن.
جلالة الغفور له بإذن الله الملك الحسين ورفاقه في الجيش كان قد اتخذ كل الاجراءات اللازمة قبل عقد جلسة مجلس الوزراء لاتخاذ قرار إنهاء خدمات الفريق كلوب والضباط الانجليز؛ بما فيها احتمال المواجهة العسكرية مع القوات البريطانية المتواجدة في الأردن وكانت هناك خطة عسكرية متكاملة، حيث تم استنفار القوات المسلحة الأردنية بسرية تامة وحوصرت القوات البريطانية في مطار ماركا في عمان وفي المعسكر البريطاني في العقبة منعاً لأي انزال محتمل من البحر.
سارت الأمور كما هو مخطط لها و امتلك الأردن حرية القرار العسكري الأردني، وأصبح الجيش العربي الأردني جيشاً للوطن والأمة، ومواقفه إلى جانب الأشقاء العرب في كل بقاع الوطن العربي الكبير، في المحن والكوارث التي تعرضوا لها خير دليل على ذلك.
و يمكن تلخيص دوافع اتخاذ القرار بإعفاء الفريق كلوب من منصبه بشكل رئيس في اختلاف جلالة الملك الحسين طيب الله ثراه كقائد أعلى للجيش مع الفريق كلوب في مسألتين أساسيتين هما:
- دور الضباط العرب في الجيش العربي الأردني.
- الإستراتيجية الدفاعية للقوات المسلحة.
بتمام الساعة السابعة والنصف نقلت الإذاعة الأردنية أنباء الخطوة الجريئة والقرار التاريخي، وحمل الأثير صوت المغفور له الملك الحسين وهو يحمل البشرى بنبرات قوية واضحة في خطاب قصير هذا نصه:
" أيها الضباط والجنود البواسل:
أحييكم أينما كنتم، وحيثما وجدتم، ضباطاً وحرساً وجنوداً وبعد :
فقد رأينا نفعاً لجيشنا وخدمة لبلدنا ووطننا، أن نجري بعضاً من الإجراءات الضرورية في مناصب الجيش، فنفذناها متكلين على الله العلي القدير، ومتوخين مصلحة امتنا وإعلاء كلمتها، وإنني آمل منكم كما هو عهدي بكم النظام والطاعة.
وأنت أيها الشعب الوفي، هنيئاً لك جيشك المظفر الذي وهب نفسه في سبيل الوطن، ونذر روحه لدفع العاديات عنك، مستمداً من تاريخنا روح التضحية والفداء، ومترسماً نهج الأُلى، في جعل كلمة الله هي العليا، إن ينصركم الله فلا غالب لكم".
وفي خطاب العرش السامي لمجلس الأمة في شهر تشرين الثاني 2014 قال جلالة الملك عبدالله الثاني : " أقول للنشامى في الجيش العربي ان الشعار الذي على جباهكم مكتوب عليه (الجيش العربي) وهذا الاسم لم يكن صدفة أو مجرد شعار، وإنما هو تأكيد على التزام هذا الجيش بالدفاع عن قضايا الأمة العربية و ترابها و أمنها من أي خطر يهددها".
أسأل المولى عز وجل أن يحفظ جيشنا العربي رمز البذل والعطاء والتضحية في ظل قائد مسيرتنا جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين حفظه الله ورعاه.
*مدير التوجيه المعنوي / الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة الاردنية -الجيش العربي، سابقا .