إنّ دراسة واقع الجريمة بات من المشكلات التي تحتاج للتصدي لها بالدراسة والتحليل ، وذلك بالبحث عن العوامل المؤدية إلى وقوعها عبر القيام بأفعال يجرّمها القانون ، والتعدي بسلوكيات فيها انتهاك للقيم والمعايير الاجتماعية والقواعد السلوكية التي يحددها المجتمع ، ويعتبرها من سمات السلوك المنضبط والسليم ، وتُلحق أضراراً بالمجتمع عبر مساسها بالحق العام لأمن المجتمع واستقراراه ، كما وتمتد أضرار الجريمة لتمس حق الأفراد سواء في سلامتهم أو في ممتلكاتهم أو ما تلحقه من أذى نفسي .
إنّ العوامل التي تدفع بعض الأفراد إلى الاقدام على ارتكاب الجرائم ، وتدفع بهم إلى الخروج عن المألوف بإتيان أفعال يرفضها المجتمع ، ويرتب لها القانون عقوبات ، تعني أنّ هذا الفرد الذي سلك طريق الإجرام قد تغلبت لديه الاتجاهات الدافعة للإجرام على العوامل المانعة لارتكابها ، مما يعني فشل أنظمة التربية والتنشئة الاجتماعية في توجيه الفرد الوجهة الصحيحة وبالتالي عدم انسجامها مع الواقع الاجتماعي .
و الانحراف يكون حصيلة عدد من العوامل التي تتظافر فيما بينها لتشكل أرضية خصبة تكوّن الأركان العامة للجريمة ، فهذه العوامل تتشابك وتتفاعل فيما بينها من قوى جسمية ونفسية من ناحية ، وبين مختلف مؤثرات البيئة من عوامل اجتماعية ( كظروف الفرد المنحرف المعيشية والعائلية ومنها السكن والبيئة التي تترك تأثيرها أيضا عليه ، مما يستدعي اعتبار الانحراف جزءاً من النظام الاجتماعي ؛ لأن بعض الدوافع الاجتماعية تُعد المحرك للسلوك الانحرافي ، كما أنّ معاناة بعض الأسر من ضغوط وتوترات وافتقاد الهدوء والاستقرار ، قد يؤدي إلى انحراف الأبناء وضياعهم ) ، والعوامل الاقتصادية ( كعامليّ الفقر والبطالة ، فقد يؤدي الفقر إلى السلوك الإجرامي عندما يعجز الفرد عن تسديد حاجاته ولا يستطيع تلبيتها لنفسه أو لعائلته ، كما أن للبطالة دور في وقوع الفعل الإجرامي لأنّ توقف الفرد عن العمل قد يترك آثاراً سلبية تظهر تداعياتها من خلال سلوكه ) ، أو عوامل ثقافية ، يضاف إلى ذلك ضعف الوازع الديني و غيرها من العوامل .
فهذه العوامل لها أهميتها في حدوث السلوك الإجرامي باعتبارها عوامل مساعدة أو مهيأة لارتكاب الفعل إذا ما صادفت استعداداً إجرامياً كائناً لدى الفرد ، وهي بذلك لا يقتصر حدوثها أو انتشارها على فئة معينة ، بل تسود كل الفئات داخل المجتمع سواء الفقيرة أو الغنية، كما أنّ هذه المتغيرات أو العوامل لها دور نسبي بحدوث الجريمة ، فكل جريمة لها ظروفها الخاصة بها .
أنّ تعديل السلوك أو تغييره لا يحدث فجأة ، وإنما تسبقه مراحل وإجراءات ودراسة للظروف التي قد تدفع الفرد إلى ارتكاب الجريمة ، وذلك بتهيئة البيئة المناسبة من أجل إحداث التغيير المطلوب والمناسب في السلوك بغية الوصول إلى الحدّ من ارتكاب الجرائم .