وجهت الحكومة الفرنسية قبل أيام تحذيرا لمن يحكمون لبنان دون تحديد هوياتهم. التحذير خطير وخارج عن المألوف، وما كان من الممكن أن يكون مقبولا في العلاقات الدولية لولا الحالة التي وصل اليها لبنان بشكل خاص والمنطقة العربية بشكل عام. مضمون الحديث أن الدولة اللبنانية تواجه "خطر الفناء". أي أن بقائها كدولة اصبح غير مضمون ومشكوكا فيه، اذا لم تسارع الدولة العميقة الى "تبني برنامج اصلاح سياسي واقتصادي جذري وجراحي، مع الالتزام الصادق والحازم بتطبيقه، وبالتزامن، مع "خروج من أوصلوا لبنان الى الهاوية" من المشهد السياسي والفعالية السياسية.
تصريح المسؤول الفرنسي ابتكر تصنيفا جديدا أُضيف الى التصنيفات السابقة لدول العالم يحمل عنوان "الدول الفانية". استنادا الى معايير الدول الفانية، فإن دولا أخرى مرشحة للانضمام للمجموعة الى جانب لبنا على سبيل المثال سوريا، ليبيا، السودان، جنوب السودان، مالي، العراق، افغانستان، الصومال، ارتيريا وعدة دول اخرى في افريقيا وامريكا الجنوبية.
وكما هو معلوم. فقد صُنفت دول العالم منذ ستينات القرن الماضي وحتى نهايته الى ثلاث فئات. الفئة الاولى تضم الدول المتقدمة التي تُكنى دول العالم الاول، وهي الولايات المتحدة الامريكية وكندا واستراليا ودول اوروبا الغربية. الفئة الثانية كانت تضم الاتحاد السوفيتي ودول اوروبا الشرقية. أما الفئة الثالثة فتضم الدول النامية وتُكنى دول العالم الثالث القائمة في اسيا وافريقيا وامريكا الجنوبية.
خلال العقد الاول من القرن الواحد والعشرين ولدت من رحم مجموعة دول العالم الثالث مجموعة رابعة هي مجموعة الدول الفاشلة من ابرز منتسبيها سوريا، اليمن، السودان، الصومال، افغانستان، باكستان ارتيريا، اثيوبيا.
تصنيف الدول لا يظل بالضرورة جامدا، بل ديناميكي حتى يستوعب الاوضاع التي تؤول اليها حال الدول. اذ يمكن لاي دولة من دول العالم الثاني او الثالث تتحقق لها شروط "الدولة المتقدمة" ان تنضم الى نادي دول العالم الاول. كما انه من غير المستبعد ان تتراجع دولة متقدمة لتصبح من دول العالمين الثاني او الثالث. طبعا التصنيفات ليست من باب اللغو او الشتيمة. وانما هي توصيف موضوعي يستند الى معايير دقيقة، لحالة كل دولة من دول العالم. لذلك، فإن دول العالم الفاشلة لن تظل تحمل هذا الاسم الى الابد. فهي إما ان تتحسن وتعود لمجموعة الدول النامية، وإما أن يسوء حالها اكثر ويتم اختراع وصف يلائم حالها، وهذا ما حدث فعلا بعد ظهور مصطلح الدول برسم الفناء.
ماذا عن الاردن؟ في أي مجموعة من المجموعات يقع؟ وعلى ابواب أي مجموعة ينتظر؟
قبل ايام استقال رئيس مجلس ادارة شركة كبرى كانت تعد بترول الاردن، بعد ان وصلت خسائر الشركة الى ضعف رأسمالها مما يستوجب تصفيتها قانونيا. مجموع الراتب الشهري والمكافآت لرئيس مجلس الادارة المستقيل تراوح ما بين عشرة الاف وعشرين الفا. الرئيس المستقيل سبق وأن اشغل العديد من المناصب الوزارية وما يعادلها، طيلة ثلاثين عاما.
شخصية ثانية استقالت ايضا من منصب رئيس مجلس ادارة شركة كبرى كانت من انجح الشركات الاردنية. استطاعت الشركة بفضل براعته الاقتصادية ان تظفر بحكمٍ باعلان افلاسها. من المؤكد ان راتب تلك الكفاءة الوطنية النادرة ومكافئاته لم تقل عن عشرين الفا شهريا، أي اكثر من راتب رئيس الولايات المتحدة الامريكية. هذه الشخصية، مرت دون توقف او استراحة، على كافة المناصب الاقتصادية والسياسية منذ اربعة عقود ونيف. لم يبق الا ان تتولى وظيفة خطيب مسجد لايام الجمع. حينها لا ندري كما سيبقى من المواطنين يعتنقون الاسلام.
من المحزن والمضحك ان وسائل الاعلام الاردنية العقيمة القزمية التي هي جزء من منظومة التهديم، تُصر دائما على استضافة هؤلاء وامثالهم ممن زرعوا الامراض في جسد الوطن، ، لتستفتيهم عن العلاج، وتتباهى باستضافتهم، وتضلل بمزاعمهم وتشبيحاتهم عقل المواطن الاردني الذي لا زال لديه بقية صبر لمتابعة ما تعرضه تلك الوسائل الاعلامية المعاقة.
الشخصيتان اللتان اومأت اليهما، هُما مجرد مثالين فحسب للشخصيات التي تتحكم بكافة مفاصل الدولة الاردنية منذ ثلاثة عقود على الاقل وتقود مؤسساتها من فشل الى فشل، ومن خسارة الى افلاس الى مديونية. هؤلاء الاشخاص يتداولون المناصب بينهم كما يتم تداول ورق الشده، لأنهم في نظر انفسهم وفي نظر من يوزع المناصب كمكاسب، يصلحون لكل زمان ومكان. وحتى عندما تشغر مناصب جديدة يتولى فريق الفاشلين ملأها بمن هم على قياسهم وعلى شاكلتهم.
لم تكن إستقالة رئيسي مجلس ادارة الشركتين الخاسرتين "حتى الثمالة" من باب الخجل، أو تعبيرا عن استعدادهما للمحاسبة القضائية، وإنما لأنه لم يعد لهما "مراء" للاستمرار. "زهئوا". وهما بالتأكيد ينتظران مكافأتهما بمناصب رفيعة أُخرى.
في ظل هكذا معطيات، ولأن حجارة الصوان لا ينبع منها ماء، وانما تدمي أصابع من يحملها أو يداعبها، وأقدام من يمشي عليها، ما الذي يمنع الاردن من ان يكون دولة فاشلة آجلا أم عاجلا إن لم يكن قد فاز بهذا اللقب منذ أمد؟ وما الذي يمنع الاردن من أن ينضم الى مجموعة الدول برسم الفناء، إن لم يكن قد أُدرج ضمنها أو رشح لها فعلا؟ امبراطوريات لم تكن تغيب عن جغرافيتها الشمس ضلت، فداخت ثم بادت، واصبحت ذكراها مركونة في خربشات التاريخ على صفحات صفراء عتيقة. الاتحاد السوفيتي الذي كان ينافس على الموقع الاول في العالم، تهاوى كثور من ورق، أو كبالون تم تنفيسه. هكذا ببساطة ولم تبك عليه البواكي.
في ضوء ما تقدم لا بد ان أذكر بدعاء النبي نوح " رب لا تبق على الارض من الكافرين ديارا. إنك إن تذرهم، يُضلوا عبادك، ولا يلدون الا كافرا فجارا".
عندما يقف شخص على الحافة يريد الانتحار ويرفض نصائح الناصحين له بالتراجع، فالافضل تسريع نهايته بدفشه الى قاعها، لأن استمرار وقوفه عليها يظل يثير الرعب في نفس الراغب في الانتحار، وفي نفوس جميع من يراقبونه ويشفقون عليه. هذه هي الترجمة الحقيقية لتصريحات المسؤول الفرنسي.
لم يتوقف التحذير من قبل اقلام عديدة شُجاعةٌ من أن الاردن يقف على الحافة. ومن ناحيتي، سبق وأن نبهت مرارا وتكرارا منذ تسعينات القرن الماضي من مآلات الطريق الوعر الذي يسير عليه الاردن. ولكن لا حياة لمن تنادي.