رسائل وتوجيهات ملك البلاد لا تأتي من فراغ، عندما يتحدث رأس الدولة عن أمور فنية متخصصة في نظامنا التعليمي، فمعنى ذلك أنه يستند إلى مستشارين وتوجهات عالمية في مجالات إصلاح التعليم، في لقاء جلالته بالأمس عبر تقنية الاتصال المرئي ، لمتابعة المستجدّات على منصّة التعليم الإلكتروني، والتي أكد فيها على ضرورة مواصلة تطوير المنصّة، والأخذ بملاحظات الطلبة والمعلمين والأهالي، وتأكيد جلالته على أهمية دمج التعليم الإلكتروني بـ "المباشر” ليصبح جزءاً من النظام التعليمي، وهذه رسالة لوزير التعليم العالي ووزير التربية وجميع مؤسسات التعليم العالي والعام، انتهت مرحلة التردد، والظهور الإعلامي والتغني بإنجازات التعليم عن بعد، المرحلة القادمة يجب أن يصبح التعليم الإلكتروني جزء رئيسي وطبيعي من العملية التعليمية التعلمية، بالتمازج مع التعليم المباشر التقليدي، إذ لن يصبح التعليم عن بعد وأدواته الإلكترونية الواسعة ملجأً للتعويض في زمن الحضر، بل أساس وجزء لا يتجزأ من العملية التعليمية، من هنا يجب وكما أشار الملك، أخذ ملاحظات الطلبة والأهالي، والعمل على تحسين وتطوير البنية التحتية للتعليم الإلكتروني من شبكات وتجهيزات وبرمجيات وأجهزة حاسوب تصل جميع المتعلمين في المدن والقرى والأطراف، وتعترف وزارة التربية أن ما نسبته 16% لا يصلهم التعليم عن بعد، لأسباب مختلفة منها عدم وجود جهاز حاسوب، وهذا ما تعمل على توفيره للطلبة كما علمنا، إضافة لتحسين وتحديث، منصة "درسك” الوطنية للتعليم الإلكتروني، على مستوى المحتوى التعليمي والتكنولوجي، من حيث البرمجيات والأدوات المضافة للمنصّة لتحسين العملية التعليمية، من خلال محتوى تعليمي بنهج تفاعلي يغطي جميع المواد لجميع الصفوف، وكذلك تفعيل وزيادة التواصل بين الطالب والمعلم، وتحديثات أخرى تعمل على تقديم تجربة تعليمية متطورة ومختلفة للطالب، وهذا ما يجب أن تعمل عليه الجامعات من خلال منصات تعليمية الكترونية خاصة بها او مشتركة وطنية تؤسس لإدامة وتطوير التعليم المدمج، وأعتقد أن جميع المسؤولين لديهم الوعي بأهمية ذلك، وسيعملوا بجد لتحقيق هذه التوجهات، بعد إشارة وحديث الملك.
يبقى تأكيد الملك في مرات عدة من خلال كلماته وزياراته وخطب العرش وكتب تشكيل الوزارات بالتأكيد على تطوير التعليم المهني والتقني، نظرة سريعة على الناجحين في الثانوية العامة هذه السنة لنرى أن اعداد الناجحين في الفروع المهنية وبالذات الصناعي وهو الرافد الرئيس للتعليم التقني كان 412 خطة قديمة و577 خطة جديدة أي ان الرقم لم يصل نسبة 1000 أو نسبة 1% من الناجحين في الفروع الأخرى علمي أدبي… !، والأرقام خجولة جداً للفروع المهنية التطبيقية الأخرى من فندقي وصحي وزراعي وغيره، من هنا يجب على وزارة التربية أن تعمل بجد لتطوير التعليم المهني وتوجيه الطلبة للإلتحاق به، إذ لا يعقل ان تكون نسبة 1% او اقل هي طموح يريح صانع القرار ليتغنى بالإنجاز، ونسأل وزارة التربية أين خططها التنفيذية في مجال التعليم المهني، لتلبية مقررات الإستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية والتي وضعت هدف 40% تقريبا يتوقع الوصول إليه في التحول نحو التعليم المهني والتقني مع نهاية 2025… ؟ لم أجد من يلفت نظره هذا الرقم المتدني لطلبة التعليم الصناعي المهني ، وهو رقم يجب أن يؤرق ويشغل صانع القرار إذا علمنا أن نسب الملتحقين في التعليم المهني في دول أخرى متقدمة وصناعية تصل 30- 40% وأكثر، يجب أن لا نبقى نجتر خيباتنا وأخطاء تتكرر كل عام، وزارة التربية يقع على عاتقها جزء كبير من إعداد المهنيين، ويجب أن يعاد الألق للمدارس المهنية او الصناعية، فلم يعود الحديث عن التعليم المهني ترفاً نمارسه وحشوات لخطاباتنا وظهورنا التلفزيوني هنا وهناك..! أما التعليم التقني، فهنالك مؤشرات جيدة لزيادة أعداد المنخرطين به، لكنها ليست ضمن المأمول، ما زلنا بحاجة لتطوير التعليم التقني والصرف عليه بسخاء ودعم برامجه وأن لا يبقى الأمر مجرد كلام..! جلالة الملك أشار كثيرا للتعليم التقني ووجوب العمل على تطويره، يوجد محاولات ولكنها تبقى محدودة وبحاجة لتعميم ودعم مادي وتشريعي أكبر ليصل للعالمية، ونأمل أن يساهم مشروع المسارات المهنية الذي أقر قبل أيام في تطويره وتحفيز الطلبة والأهالي للتوجه نحو التعليم التقني والمسارات المهنية، والتحدي أن يشكل مشروع المسارات المهنية الذي تم إقراره،إضافة نوعية لتطوير عالم العمل والمهن ومجال الإنتاج والخدمات، من خلال برامج وتعليمات واقعية ومدروسة، يجب وضعها وتنفيذها لتحقق تشاركية فاعلة مع سوق العمل ومؤسساته بكفاءة، لتوسيع قاعدة الإستثمارات والصناعات التي يجب أن تستوعب المنخرطين في هذه المسارات، وتستفيد من تأهيلهم، وغير ذلك ستكون الأمور مجرد تكديس شهادات وتغذية سوق البطالة وهذا ما لا نريده.
إذاً كل مسؤول في نظامنا التعليمي العالي والعام ، معرض لمساءلة جلالة الملك، في مجال إدماج التعليم الإلكتروني والمباشر، وفي مجال تطوير التعليم المهني والتقني، لأن النتيجة إذا نجحنا، تطور متسارع إقتصاديا وإجتماعيا، يخرجنا من نفق المدينوية والتأخر والخيبات، ألإرتقاء بالنظام التعليمي أساس رئيس للتغيير والتطور والإزدهار، وأسألوا كوريا الجنوبية وسنغافورة وتركيا وماليزيا، لعل وعسى… حمى الله الأردن.