فُجعت الأوساط الثّقافيّة والإعلاميّة، الفلسطينيّة والمغربيّة على حدٍ سواء، اليوم الخميس، بخبر وفاة الكاتب والصّحافي الفلسطيني المقيم في الرّباط منذ نحو أربعين عامًا محمود معروف، إثر سكتة قلبيّة مفاجِئة.
ونَعَت النّقابة الوطنيّة للصحافة المغربيّة، الصحافي معروف، مدير مكتب صحيفة "القدس العربي" في المغرب، ورئيس الاتّحاد العام للكّتاب والأدباء الفلسطينيين فرع المغرب، فقالت في نعييها: هو فلسطينيّ الهويّة والانتماء، أحبّ بلده المغرب واحتضنه على امتداد عقود، وفيه أسس لعلاقة مهنية وإنسانية شاسعة الأطراف، عنوانها الصدق والمصداقية. وبروحٍ عالية، وسلوك متميز، نجح الراحل في نسج علاقات وطيدة مع مختلف مكونات المجتمع المغربيّ، وبجدارة كسب احترام الجميع وبدون منازع.
وأضافت النّقابة: في هذه الظرفية العصيبة، التي عايش الفقيد آلامها ومحنها، نعى الراحل قبل أيام بعض أصدقائها وأقاربه، وكتب عن الموت وفواجعها، وفجأة رحل وغادرنا وترك في قلوب أهله ومعارفه وأصدقائه غصة وحرقة.
كما نعى المكتب السّياسي لحزب الاتّحاد الاشتراكي للقوّات الشّعبية في بيانٍ له محمود معروف، فقال: "يعتبر الراحل من الشّخصيات الإعلاميّة النّشطة في الدّفاع عن القضيّة الفلسطينيّة، وقضايا الحريات في الوطن العربيّ" وتقدّم الحزب باسمه وباسم صحيفته وكافّة الاتّحاديين والاتّحاديات بأحر التّعازي لعائلته وزوجته وأصدقائِه.
فلسطينياً، نعت وزارة الإعلام الصّحافيّ معروف، معتبرة في بيانٍ لها "رحيل معروف من الخسارات الثقيلة، التي تهزّ البيت الإعلامي الفلسطينيّ؛ لما ملكه فقيدنا من سيرة مهنية تنقلت بين بيروت والرباط ونيقوسيا، وعواصم العرب والعالم الأخرى، فقد ظل مسكونًا بفلسطين ورافعًا الراية، وملتزمًا بنضالنا الوطني، ورسالة خلاصنا".
وأكدت أن "إرث الراحل محمود معروف، ستتناقله الأجيال، وتشهد له بحضوره الرصين، وبراعته العالية في المشهد الإعلامي والأدبي والإبداعي، وخطّه الوطنيّ والقومي".
كما نعاه الاتّحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين عبر بيانٍ له، معتبراً رحيل معروف خسارة كبيرة للأدب والعمل الصحافيّ الفلسطيني، كما نعته سفارة دولة فلسطين لدى المملكة المغربيّة.
عدد كبير من الصّحافيين والمثقفين والسياسيين الفلسطينيين والمغاربة نعوا معروف عبر صفحاتهم الشّخصية في منصات التّواصل الاجتماعي، فالمؤرّخ المغربي المعطي منجب قال في تدوينة له: فلسطين والمغرب فقدا في محمود رجلاً صامداً طيباً ملتزماً بقضايا شعبه الفلسطيني، وبقضايا المجتمع المغربي في الديمقراطيّة وخصوصاً تعدد الرأي بالصحافة… ومات صامداً رافعاً رأسه وعلم بلاده المغتصبة، ومحّباً للمغرب والمغاربة.
أمّا الرّوائي الفلسطيني ربعي المدهون فكتب: قبل ساعة فقط أنهيت تحرير كتاب الأخ والصديق الأجمل محمود معروف، حول رحلة عودته المدهشة إلى تفاصيل البلاد، الذي قدم له الروائي الصديق يحيى يخلف، واقترحت عليه "حيث لا نسيان" عنواناً.. أرسلت المخطوط على الخاص مع بعض التوصيات، وانتظرت الرّد الذي جاءني بصدمة العمر، رحل الصديق والأخ الصحافي المثقف ومخطوط كتابه على "الخاص"، مهدى إلى أبنائه وأحفاده؛ كي لا ينسوا فلسطين يومًا، كما نعاه الروائي الفلسطيني يحيى يخلف، والشاعر الفلسطيني غسان زقطان، والكاتب المغربي عبد الله صديق، والحقوقي والسياسي المغربي محمد السّكتاوي وغيرهم الكثير.
يشار إلى أنّ أصول محمود معروف تعود لقرية دير القاسي المهجّرة في الجليل، فيما درس في العراق، وعمل في بداية مشواره الإعلامي لفترة قصيرة بالمركز العربيّ للمعلومات/ قسم الدراسات والأرشيف بصحيفة "السفير"، وكان يديره الصحافي المصري مصطفى الحسيني، ثم التحلق بوكالة "القدس برس" التي كان يملكها الشهيد حنّا مقبل أحدُ مؤسسي الاتحاد العام للكتاب والصحافيين الفلسطينيين، حيث عمل مراسلًا لها في المغرب، وبعد استشهاد مقبل في قبرص العام 1984، أغلقت الوكالة وبقي محمود معروف في المغرب، حيث عمل مراسلًا لأسبوعّية "الأفق" في قبرص، وأسبوعيّة "الحوادث" اللبنانية التي كانت تصدر في لندن. وفي العام 1989 ساهم في تأسيس صحيفة "القدس العربي"، وعيّن مديرًا لمكتبها في المغرب حتّى وفاته اليوم.
"جَمَعنا أمجد ناصر بعد وفاته!"
شخصيًا لم ألتقِ محمود إلّا مرّة واحدة عن طريق بعض الأصدقاء، كان ذلك مطلع آب (أغسطس) الماضي، حيث اتّفقنا على أن نلتقي قرب أحدِ أكشاك بيع الكتب بشارع محمّد الخامس وسط العاصِمة الرّباط.. التقينا هناك، واشترينا معًا نسختين من العدد الخامس والثلاثين من مجلّة "البيت"، والذي خُصص للحديث عن تجربة أمجد ناصر الأدبيّة، واشترى هو أيضًا بعض الصّحف اليوميّة. وفي الطّريق إلى مقهى قريب تجاذبنا أطراف الحديث حول أمجد ناصر ومسيرته وعلاقته بالمغرب.
لاحقًا في المقهى، حدّثنا محمود عن كتابه الجديد الذي كتبه بعد زيارته إلى فلسطين، والمتوقّع صدوره قريباً عن مكتبة "كلّ شيء" في حيفا، تحت عنوان "حيث لا نسيان"، وعن أثر هذه الزّيارة في نفسه، وتفاصيلها، وعن مدى حماسته لهذا الكتاب تحديدًا. كما أشار إلى بعض كتبه التي أعدّها في فترة الحجر الصّحي، فقد قال أنّه قام بتجميع بعض مقالاته حول عدّة قضايا سياسيّة وترتيبها وتبويبها وكتابة تقديم لها تحضيرًا لإعادة نشرها على شكل كتب قريبًا.
صباحًا فجعنا خبر رحيله، ويفجعنا أكثر أنّ "حيثُ لا نسيان" سيولد يتيماً، وإن كان سيخّلد ذكر محمود جدًا.