تعيين وتقييم رؤساء الجامعات الحكومية في بلدنا، من الملفات الهامة التي لم يصل فيها مجلس التعليم العالي ووزارته إلى معطيات ورؤُى ثابتة، تترجم إلى واقع نظامي تنفيذي ثابت يتم تطبيقه بشكل منتظم ودوري للتقييم، وعند الحاجة للتعيين، بغض النظر عن تغير الوزراء ..!
منظومة التعليم والتعليم العالي في بلدنا تحتاج دائما للمراجعة والتطوير والتحسين والتجويد… هذا من البديهيات ومن المفترض ان يكون دائما ، لأننا نفكر بنظامنا التعليمي حاضرا ومستقبلا، ويجب ان نخطط ونضع الاستراتيجيات التي تشكل خارطة طريق نحو التميز، فالتعليم العالي في عصر التطور التكنولوجي المتسارع لا يقبل العشوائية والتخبط أو أنصاف الحلول أو الفزعات..!
في تعيين رؤساء الجامعات، وبعد دخول مجلس التعليم العالي في التجربة، وتطبيق معايير وطرق مختلفة في إختيار وتعيين عدة رؤساء جامعات، وظهور تغذية راجعة للبعض، أعتقد أن الصورة اصبحت واضحة، ويمكن الذهاب لإعتماد طريقة وأسلوب لأختيار وتعيين رؤساء الجامعات، ضمن معايير ثابتة تطبق في كل مرة ، دون الحاجة للجان ومعايير تطول وتقصر في كل مرة، وقد يأتيها الباطل من حيث تحتسب أو لا تحتسب… ! وقد تكون هنالك حاجة لتغيير الأدوات، ومنها الذهاب للإنتخاب ما امكن، أو إعطاء دور لأعضاء الهيئة التدريسية لأختيار رئيسهم، من باب إشراكهم بالرأي، وكذلك تحميلهم مسؤولية إختيارهم فيما بعد، والتخلص من فكرة أن الرئيس يُفرض من جهات خارج الجامعة، هذا الملف يجب أن يؤَسس له بتعليمات أو نظام يوضع بعد التشاور مع جميع اطراف المعادلة.
أما تقييم رؤساء الجامعات، فيجب أن يتم وبشكل منتظم وسنوي للجميع، وأن ينظر لتقييم الجامعة ودور الرئيس كوحدة واحدة، صحيح ان رئيس الجامعة هو ربان السفينة وقائدها ويجب ان يصنع التغيير في جامعته من خلال نتاجات واضحة وقابلة للقياس، تشكل أهداف ورؤى الجامعة المطلوب تحقيقها ضمن خطط تنفيذية سنوية ومرحلية يعدها رئيس الجامعة ويعتمدها مجلس الأمناء ومجلس التعليم العالي مسبقاً، إذ أن التقييم عملية نظامية تكشف نسبة تحقيق أهداف مسبقة، تتضمن التقييم البنائي أي لمراحل التنفيذ ووجود التغذية الراجعة لتحسين الأداء، ومن ثم تقييم نهائي بعدي وخارجي، يقيس نسبة تحقيق الأهداف لمرجعية ثابتة وضعت مسبقاً للجامعة نفسها، وتقييم يقارن نتاجات الجامعة بغيرها محلياً وعالمياً، وأفضل الممارسات العالمية في التقييم هي التقييم من خلال النتاجات; Outcomes based assessment or evaluation
وضمن معايير واضحة وصريحة تسهم فعلا في تطوير الجامعات، ولا يكون التقييم للجامعات ولرؤسائها فزعة، وعملية تخضع لمزاج س أو ص، نحن مع التقييم الدائم لكل من يشغل منصب إداري، ويجب ان يكون هدف التقييم الأول هو الإصلاح…وتعزيز نقاط القوة ومعالجة نقاط الضعف، رئيس الجامعة في جامعاتنا الاردنية مطلوب منه الكثير ويحمل اعباء كبيرة وله دور محوري في نجاح جامعته، ويجب أن نضع بعين الإعتبار معيقات ومحددات النجاح لأي رئيس ونحن نعرف أن غالبية جامعاتنا تعاني من المديونية، وشح الموارد واضمحلال الدعم الحكومي، وهنا كيف لرئيس جامعة ان يبدع ضمن ميزانيات جُل همها توفير الرواتب للعاملين، والجلوس كل آخر شهر لاستجداء البنوك او وزير المالية اوجهات الابتعاث للحصول على المال لدفع الرواتب ، فكيف نطلب من جامعاتنا ورؤسائها التميز والإبداع والوصول للعالمية ضمن هذه الاوضاع! ونحن نعرف ان ميزانية الجامعات المتميزة في العالم تصل الى عشرات الملايين لا بل المليارات.
نتمنى ان يكون التقييم للجامعات شاملا وأن يكون تقييم الرئيس ضمن معطيات جامعته، لا ان يتم التقييم للرئيس فقط دون النظر لبقية العناصر التي تشكل مهام الجامعة (التدريس والعمل الأكاديمي، والبحث العلمي، وخدمة المجتمع،والجامعة المنتجة) فنجاح الجامعة في هذه المجالات والنجاح نسبي وضمن معايير بلدنا لأننا لم نصل للعالمية بعد مع ان هذا طموحنا جميعا.
ونؤكد على أن عملية تقييم رؤساء الجامعات، يجب أن تكون نظامية ومنهجية ضمن معايير محددة لا تقبل التأويل وانعدام الشفافية، ولها وقت محدد سنويا، وأن لا تبقى الامور خاضعة للمزاج والإجتهاد ، ففي ممارسات سابقة تم التعامل مع التقييم كأداة لتصفية الحسابات او ازاحة س او التخلص من ص كما فهمه البعض في حينه، وتم اقصاء بعض رؤساء الجامعات بتوقيت غير مناسب والبعض تم اقصاؤهم مع ان جامعاتهم تمتلك مؤشرات تقدم ونجاح! والتساؤلات والإتهامات ما زالت تلاحق وزاراء وجهات بعينها، ايضا يجب ان لا ينظر الى التقييم كانه تهديد لرؤساء الجامعات، لان ذلك من شأنه تثبيط عزيمتهم وإحباطهم وتقليل دافعيتهم للعمل والتميز، الهدفه الرئيس التطوير والتحسين ورفع سوية منظومة التعليم العالي في بلدنا، نعم نحن بحاجة للتقييم والتقويم معا في نظامنا التعليمي، وهنا اقترح على مجلس التعليم العالي ووزير التعليم العالي الطلب من كل رئيس جامعة بداية كل عام، تزويدهم بخطط تنفيذية بأهداف واضحة لجميع النتاجات المتوقعة ضمن ميزانية وخطة زمنية ومؤشرات واضحة قابلة للقياس، لكل جامعة تستند الى جميع الدراسات والمبادرات الوطنية السابقة التي تخص حالة وواقع واستراتيجياته التعليم العالي وآخرها الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية وكذلك تقرير حالة البلاد الذي اعده المجلس الاقتصادي الاجتماعي، وان يتم التقييم بناء على المعطيات التنفيذية والاجرائية المستمدة منها، وهي معايير ثابته لكل الجامعات، ويكون التقييم شفافا يستند الى مرجعيات حصيفة، تجعل من كل جامعة خلية نحل تعمل لتحقيق هذه المعايير والأهداف، ضمن جداول زمنية معقولة.
امنيتنا ان يكون التقييم كما أسلفت للجامعات وللرئيس كجزء من جامعته، وأن يعطى أعضاء الهيئات التدريسية حقهم في المشاركة في التعيين والتقييم، وأن تخصص وزارة التعليم العالي خوادم ومنصات تخصها لعملية التقييم، منفصلة كلياً عن خوادم الجامعات لضمان عدم التدخل والفلترة… ! من إدارات الجامعات، وكذلك تأمين السرية التامة والشفافية، وصلنا لمرحلة يجب ان نتجه نحو بناء نظامنا التعليمي وتطويره نحو التميز والعالمية، وان نقول للمجتهد أحسنت واستمر ، وان نقول للمقصر شكرا ويعطيك العافية، أفسح المجال لغيرك…..حمى الله الأردن.