جملةٌ وردَت على لسانِ السيد المسيح في إنجيل متى الأصحاح السادس، وغالباً ما يُساء فهمها لمن "يحرفنون" أي يتعاملون بحرفية النصوص لا بروحها. فيرَون في هذه المقولة مدعاة للكسل وعدم اللجوء لبذل الجهد والتفكير السليم والمنهج العلمي الصحيح في حل قضايا الحياة المختلفة.
المقصود بهذه الجملة وبتعبير أدق هو "عدم القلق" وليس عدم الاهتمام والاكتراث، وهذا أقرب لمفهوم الكلمة كما وردت في النص اليوناني للعهد الجديد. والقلق عادة ما يكون سبباً لكثير في الأمراض والهواجس والتخوفات غير الضرورية، بينما المطلوب هو الإهتمام الجاد ودراسة التحديات دراسة موضوعية فتنفتح أمامنا الفرص للتغلب عليها.
لذلك فنحن وإن كنا مدعويين لإستخدام الفكر والمنطق والحكم السليم على الأمور فنحن بالتالي مدعويين للتخلص من القلق غير المبرر وغير الضروري، لأنه بدلاً من أن يُصفِّي أذهاننا ويمطئِن قلوبنا، يزرع فينا هذا القلقُ عنصرَ الخوف الذي يكبِّل لا بل يشل قوة تفكيرنا وجهودِنا المنصبَّة على ما هو متاح وممكن لمواجهة تحديات الحياة، ويرزع فينا الخوف من الآخر المختلف عنّا فكرياً ودينياً وعقائدياً وأيديولوجياً وسياسياً.
وللقلق دواعٍ مختلفة في الحياة، فمنا منا يقلق على تأمين مستلزمات الحياة من مأكل ومشرب وملبس، ومنا من يقلق على عائلته وأولاده في ظل جائحة كورونا وتفشي البطالة والركود الإقتصادي والخوف من المجهول في ظل ما يسمى بعالم جديد جديد يحكمه المال والمصالح الاقتصادية على حساب الكثيرين، وكذلك الحديث عن شرق أوسط جديد تتبدل فيه وتتغير معالم مختلفة جوهرية لم تكن في الحسبان.
وأنني أرى أن الأمر الوحيد المقلق في عالمنا هو غياب ضمير البشرية وفقدان الوعي الروحي وتراجع قيم العدل والحق والمساواة، وغياب فاعلية منظمومة السلام العالمي والعدالة والمساواة. هذا القلق المبرر ضروري لأنّهُ يمسُّ حياتنا وكياننا ومستقبل وجودنا وتوفر ضروريات الحياة من مأكل ومشرب وملبس ومسكن وعمل وتنمية وحرية وعدالة ومساواة، ويجب أن تنصبَّ جهودُ كلِّ المفكرين والمثقفين والمؤثرين في مجتماعاتهم والعالم من أجل الحفاظ على توجيه البوصلة نحو الإنسانية جمعاء، فجميعنا في قارب واحد، إما أن ننجو معاً أو أن نغرق ما. عندها لا ينفع الندمَ!