ألقى الدكتور وليد حتاملة محاضرة عن "أسباب عزوف مؤسسات المجتمع المدني عن العمل التطوعي" في ندوة ملتقى المشكاة الشهرية بتاريخ 1682020، تطرق فيها إلى مفهوم التطوع وأهميته، ثم إلى أبرز معيقات العمل التطوعي عند مؤسسات المجتمع المدني، واستعرض جملة من الحلول والآليات لمعالجة تلك المعيقات.
فالتطوع بحسب الدكتور حتاملة هو: مجهود بشري فردي أو جماعي أو مجتمعي تلقائي ومنظّم، يتم من خلال قنوات مجتمعية، وينبع عن رغبة ذاتية دون إجبار، يكون هذا المجهود بالمال أو الفكر أو العمل المباشر. ولا يحتاج التطوع إلى تخصص مهني معين، فهو مسؤولية أخلاقية اجتماعية لمساعدة ودعم الآخرين دون انتظار مقابل مادي.
وذكر من جملة فوائد العمل التطوعي أنه يسهم في تنمية حس المسؤولية لدى الأفراد وفي تنشئتهم السياسية والاجتماعية السليمة، ويعزّز من قيم التعاون والمشاركة. ويسهم في تغيير نظرة الفرد للغير من خلال الاهتمام بشؤون الآخرين، وبالتالي يزيد من راحته النفسيّة، ويسهم أيضا في تطوير مهاراته الشخصيّة كمهارات الحوار والتنظيم والاتصال والتفاوض، إلى جانب اكتساب قدرات مهنية عملية تزيد من فرصة المتطوع في الحصول على الوظيفة التي تلبي طموحاته.
أما على مستوى المجتمع، فالعمل التطوعي يسهم في زيادة التكاتف بين أفراده وتقوية العلاقات الإنسانيّة، ما يؤدي إلى تطوير المجتمع من مختلف النواحي، إذ إن قوة العلاقات الإنسانيّة تدفع نحو التنوير الثقافي والفكري، الذي يدفع عجلة التقدّم إلى الأمام في المجتمعات.
أما أهم عوامل ضعف العمل التطوعي لدى مؤسسات المجتمع المدني فقد ذكر منها: التأثر بالبيئة السياسية والاجتماعية والقانونية السائدة في المجتمع، ومنها ضعف العلاقة بين هذه المؤسسات والدول التي تحويها. وأشار إلى أن الإدامة هي من أهم التحديات التي تواجه مؤسسات المجتمع المدني، فكثيرا ما تتميز بالحماس في بداياتها، إلاّ أنها تخفت بعد مدة وتندثر بسبب ضعف الموارد المالية اللازمة لتغطية النشاطات الأمر الذي قد يدفعها إلى طلب الدعم المالي من مؤسسات دولية على حساب المصلحة الوطنية. ويوصي الدكتور حتاملة هنا إلى ضرورة تنمية الوعي للانتماء الوطني وعدم الانجرار إلى الفساد المالي والإداري.
ومن عوامل الضعف أيضا ضعف روح المبادرة لدى الأفراد، حيث إن التطوع كممارسة يعتمد أساسا على الرغبة الداخلية لدى الفرد بالمساهمة في إنجاز وتحقيق شيءٍ ما. ومن ذلك أيضا عدم تقدير العمل التطوعي من قبل المجتمع.
وخلص الدكتور حتاملة إلى جملة من التوصيات، فمن ذلك تعزيز إيمان مؤسسات المجتمع المدني بمفهوم التطوّع، وإفراد برامج واضحة للمتطوّعين، والالتزام بمعايير دقيقة للتقييم. وكذلك مأسسة العمل التطوعي وتحفيز طاقات الشباب ورفع قُدراتهم، وتشجيع المبادرات المجتمعيّة وتبنّيها، وتحفيز التفكير الإبداعي وعدم تقييده. وأشار إلى ضرورة تعاون مؤسسات المجتمع المدني مع وسائل الإعلام لتسليط الضوء على ماهية مؤسسات المجتمع المدني وأهميتها في نشر ثقافة التطوع بما ينعكس إيجابا على الفرد والمجتمع والانتماء الوطني. ومن أجل نشر ثقافة العمل التطوعي وتفعيل مشاركة الشباب فيها، أكد على ضرورة قيام مؤسسات المجتمع المدني بندوات تعريفية تبرز فيها أهميتها ومصداقية خططها وبرامجها التطوعية، وكذلك إدخال العمل التطوعي بالمناهج التعليمية وتحفيز الطلبة على ممارسة ذلك عمليا.
أما الدكتور سعد الله توفيق رئيس جامعة الموصل في العراق سابقا ورئيس جمعية فعل الخيرات، كبرى الجمعيات الخيرية في مدينة الموصل، فقد تحدث عن حقيقة العمل التطوعي والغاية منه وأتى بجمعية فعل الخيرات كأنموذج. وابتدأ محاضرته بحديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم " أَحَبُّ الناسِ إلى اللهِ أنفعُهم للناسِ، وأَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سرورٌ تُدخِلُه على مسلمٍ، تَكشِفُ عنه كُربةً، أو تقضِي عنه دَيْنًا، أو تَطرُدُ عنه جوعًا. ولأَنْ أمشيَ مع أخٍ في حاجةٍ؛ أَحَبُّ إليَّ من أن اعتكِفَ في هذا المسجدِ يعني مسجدَ المدينةِ شهرًا". وذكر أن الله سبحانه وتعالى وصف أولئك الذين ينفقون ويرجون القبول من منه تعالى بأنهم ﴿ أُولَـٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ﴾.
وأشار إلى أن العمل التطوعي يجب أن يبنى على أسس أولها الإخلاص بأن يكون العمل خالصا لوجهه تعالى من قبل ركيزتي العمل التطوعي وهما المتبرع والمتطوع للعمل. ومن أسس العمل التطوعي الصدق والأمانة التي تضمن إيصال الخير من خدمة أو معونات إلى مستحقيها. وذكر أنه مما يؤسف له أن بعض الجهات سارت بمسارات لا تتصل بهذه الأسس مثل استغلال العمل الخيري التطوعي لمصالح خاصة أو سياسية أو في مجال جمع المعلومات التي تؤدي إلى التفرقة، أو أعمال تبشيرية. وأشار إلى جملة من العوامل التي تربك العمل التطوعي كإسناد العمل إلى أشخاص ليس لهم خبرة كافية.
ثم أشار إلى الدور الذي تقوم به جمعية فعل الخيرات في الموصل للتخفيف من بناء لمجمعات سكنية للأرامل والأيتام، وترميم للمنازل المهدمة، وفتح للعيادات وشراء لأجهزة طبية وأدوية وتقديمها مجانا للمحتاجين، وكذلك إنشاء مراكز لدعم هذه الفئة كمراكز الخياطة والمدارس والمكتبات إضافة إلى بناء المساجد وترميمها. كل هذا إلى جانب المعونات الشهرية والسعي إلى إعادة النازحين إلى مناطقهم وحفر الآبار ومشاريع الأضاحي وغير ذلك.
هذا وقد أدار الندوة بكفاءة الدكتور نبيل الرمضاني رئيس مؤسسة الإغاثة الإنسانية في بريطانيا، الذي أشار في أثناء تقديمه للندوة إلى أن أغلب المتطوعين في العالم الغربي هم من كبار السن الذين تجاوزوا الخامسة والستين، لأنهم متقاعدون ولديهم متسع من الوقت وبعضهم يتمتعون بالصحة والقوة التي تمكنهم من التفرغ لبضع ساعات للقيام بأعمال تطوعية تشعرهم بالراحة والاطمئنان. وألمح بذلك إلى أن المسلمين لديهم دوافع أكثر تحثهم على القيام بمثل هذه الأعمال.
وأتى بأمثلة تشير إلى انتشار ثقافة العمل التطوعي، فمن ذلك أن عدد المتطوعين المسجلين في المنظمات والنوادي التطوعية يزيد على 19 مليون فرد. أما عدد المنخرطين في أعمال تطوعية غير رسمية فيصل إلى 52% من المجتمع البريطاني.
ومن الجدير بالذكر أن ملتقى المشكاة هو ملتقى للعلماء والباحثين والمفكرين الراغبين في المساهمة في خدمة أوطانهم عن طريق البحث العلمي والدراسات بشكل أساس، ويسعى إلى الإفادة من خبرات هؤلاء العلماء والمفكرين والباحثين في مختلف أنحاء العالم من خلال تقديم محاضراتٍ والمشاركة في ندواتٍ حول دراساتٍ وأبحاثٍ تهدف إلى خدمة أوطانهم علميًا وتقنيًا واقتصاديًا واجتماعيًا. ويهدف الملتقى إلى نشر العلم وتشجيع البحث العلمي واستثارة العقلية الإبداعية لدى الشباب العربي والإسلامي، وتكوين جسور صلةٍ بين الباحثين العرب والمسلمين في بلدانهم مع نظرائهم الذين اضطرتهم الظروف للهجرة والعمل خارجها للمساهمة التطوعية بالقيام ببحوثٍ ودراساتٍ تخدم التنمية في بلدانهم.
وللملتقى قناة على اليوتيوب تنشر فيها الندوات تحت اسم (ملتقى المشكاة)، ويمكن الاطلاع على الندوات المستقبلية في قناة الملتقى على التلغرام (mishkat_multaqa) وكذلك على الفيسبوك (mishkatresearch).