من مفارقات الحياة أنْ يكون قلبُ الإنسان بواد وكلام فمه بواد أخر حيث يُغرد كلُّ واحد منهما على حدى بغير انسجام وغير تكامل، مما يخلق شخصية منفصمة تفقد احترامها وقيمتها بين الناس، لأنه يُظهرغير من يُبطِن ويُبطِن غير ما يظهر. وهنا تكمن مآساة عالم اليوم أن يكون الإنسان بوجهين مختلفين كالعملة الواحدة بوجهيها المختلفين.
لكن، لكي تُبنى الحياة وتستقيم ويعلو بناؤها وتبنى الأوطان والمؤسسات المتعددة تحتاج إلى انسجام تمام ما بين القلب واللسان، لذلك عندما نقيّم الشعارات التي تَصدر خصوصاً في أجواء الإنتخابات علينا أن نميّرز الغث منها من السمين، فهناك حشوات لا قيمة لها ولا داعي لها وغير قابلة للتطبيق أصلاً وتدغدغ العواطف، وهي تكلمة فراغ وغير نابعة من قلب مؤمن وقانعٍ حقاً بتحقيقها، بل تلفهاً وراء الكراس والمناصب والمكاسب ليجد لنفسه مكاناً يفتقده وشأنا وقدرا غير موجود أصلا.
ولئن كانَ القلبُ أَصلاً هو تعبيرٌ عن المكان الذي يتوطَّنُ فيه الإيمان والقناعة ويستقر فيها، فلن يكونَ لما يملئُهُ من إيمان وقناعات الفائدة المرجوة إن لم يترجم إلى كلماتٍ صادقةٍ تخرج من الفم وتترجم في المجتمع بأعمالٍ متزِّنة صالحة تخدم الصالح العام والشأن العام. فماذا ينفع الإيمان إذا لم يترجم بكلام هو برنامج وخطة عمل قابلة للتنفيذ والتضحية والعطاء؟
لذلك لكي ننهض من كبوتنا نحتاح إلى أمثال هؤلاء العظام الذي ينادون حقاً بما يؤمنون به، ويبدون في سبيل ذلك من الإستعداد للتضحية والبذل مهما كلّف الثمن. هذه هي القيادة التي يتطلبها عالمنا العربي اليوم وفي شتى مناحي الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية واالدينية. "وما أجمل أقدام المبشرين بالسلام المبشرين بالخيرات"، والعاملين بمقتضى قناعاتهم وإيمانهم لترجمة فكر قلوبهم إلى إنجازات تخدم الناس والوطن.