ليس غريباً أنْ يشِّكل أشخاص بعينهم روافع للعمل الحقيقي في مجتمعاتهم وقد اتَّقدت حياتُهم بالغَيرة نحو بناء المجتمعات وتقدمها وازدهارها "غيرة بيتك أكلتني". فليس كلُّ من يمتلك المعرفة والعلم والقدرة تكون بالضرورة عنده مثل هذه الغَيرة. فهذه الغَيرة تأكل الإنسان من الداخل وتدفعُه نحو العمل لا لأجل التكسب ولا التنفع ولا لأجل المال بل لأجل الدعوة التي تُحرِّك قلبه وبدافع الغيرة التي غمرَت حياتَه ليكون عملُه حاملاً حقيقياً ورافعاً للعمل الذي يعود على المجتمع بأسره بالخير والبركات.
للأسف نلحظ اليوم وفي شتى المناصب والمراكز وحتى الدينية منها من يعمل فقط لأجل العمل، فيكون عمله كمن هو في وظيفه يؤدي واجب عليه ويرحل وليس كمن يتخذ عمله كمنهة يمتهنها ليبدع فيها ويقدم الجديد ويكون سبب بركة حقيقية للآخرين ورافعة من روافع البناء الحقيقي الإنساني. مثل هذه الإنسان لا يُلغي كل ما سبقه بل ينظر بعين التقدير والإجلال لما قد أُنجز قبله ويمحِّصُه ليبني عليه ويُكملَ البناء، فيرى في البناء عملية مستمرة لا تتأثر بتغيير الشخوص والوجوه وإنما مسيرة تقدم وبناء هدفها خدمة الإنسان وخدمة البناء المجتمعي والسير به التقدم والإزدهار.
فمن الماضي نتعلم الدورس والعبر ونُجِّلُ كلَّ من قدَّم خدمةً مهما كانت بسيطة، فالإنجاز يبدأ بفكرةٍ وبحلُمٍ وبخاطرةٍ، وسرعان ما يتطور ويتدحرج ليصبح حجر زاوية في البناء المجتمعي يصعب إزاحته.
ربما مشكلتنا كعالم عربي أننا لا نقدِّر إنجازات من سبقونا على عكس العالم الغربي، الذي لا يترك شاردة ولا واردة، والفضل ينسب لأهله. ولكن الأهم هو البناء على الإنجازات والأفكار الخلاّقة، التي هي الرافعة الحقيقية للتقدم للأمام ولإحداث الإنجازات والمعجزات.
فالله يعمل المعجزات من خلالنا ومن خلال أفكارنا وأعمال أيدينا، وكم من أشخاص اليوم بعملهم وابداعهم وانجازهم واختراعهم كانوا سبب سعادة للإنسانية جمعاء. فلنكرم إذاً بعضنا بعضاً ولنحترم فكر بعضنا بعضاً حتى وإن اختلفنا بوجهات النظر، ولنسعى حقاً لنكون رافعة حقيقية من روافع القرن الحادي والعشرين.