"إنما الأمم الأخلاق ما بقيت .. فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا"- أحمد شوقي
القس سامر عازر
إنَّ القيمَ الأخلاقيةَ والروحيةَ الساميةَ هي أساسية في بناء المجتمعات الإنسانية الراقية. فالرقي لا يقاس بالمعايير المادية وبالثروة والمال، وإنما الرقي هو رقيُ النفسِ وسموّها واستقامتها وحسن تعامُلِها، والتي يَصعُب أنْ يُلجِمَها القانون إنْ لم تتغير هي من داخلها وتلبسَ صورةَ الإنسانِ الجديد في البرِّ والتقوى والقداسة، مصداقاً لقوله تعالى "إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم".
فالإنسان بطيبعته يميل إلى الشّر وإلى الفساد، ولأنانيته مستعد لأن يكون مبدأه ميكافيلي "الغاية تبرر الوسيلة"، إذ ليس المهم كيفية الوصل للشيء وإنما المهِّم الحصولَ عليه ولو كان بالطريق الملتوية والشريرة وبالفساد والنميمة والخبث والمكر. ولذلك تسودُ مجتماعتُنا الأمراضَ الإجتماعيةَ التي تضربُ صُلْبَ الحياةِ وَعَصَبِها وتعَّرقلُ تطورَ ونموَ المجتمعات ورقيها.
والسبيل الوحيد للنهوض بالمجتمعات هو التحلِّي بالقيمِ والمعاييرِ الإخلاقية والروحية السامية لأنَّها وحدها تشكِّلُ الرافعة في حياتنا والدافع الداخلي للإلتزام بالإنظمة والقوانين والتعليمات الرسمية من غير أن يكون فوق رأسنا حسيب أو رقيب.
ربما لم نتعود على ذلك في بلداننا العربية، فنرى في القانون عدواً يطاردنا، ولا نلتزم به إلا خوفاً من العقاب ولا نرى فيه إلا أداة تكبِّلُ جنوحنا وغريزتنا وشهواتنا. وهذا قد يكون مرتبط بشكل أساسي بالثقافة السائدة التي تربَّينا عليها ورضعناها، ولكن حان الأوان لأن ننهض من كبوتنا ونستقي من نبع هذه القيم الإخلاقية والروحية السامية لأنها الدافع الأساسي للإنجاز الحقيقي لبناء الأوطان.
وأهم تلك القيم والمعايير هو الصدق والأمانة والإخلاص "اطرحوا عنكم الكذب وتكلموا بالصدق كل واحد مع قريبه لأننا بعضنا أعضاء البعض" ( أفس 25:5). كبشر نحن خُلقنا لنعيش في مجتمعاتٍ لنتعاون فيها على البّر والتقوى، ولنتعارف على بعضنا البعض، ولنكمِّل بعضنا بعضاً، مقدِّرين إنجازات وابداعات كلَّ واحد منا، مما يدفعنا لنكون عَوْناً لكُلِّ الإنجازات من حولنا، لا أن نحاربها ونقاومها ونعمل على هدمها بمعولنا، فنرى في الناجح عدواً لنا ومهدداً لوجودنا. هذا قد يدفعنا لكل أنواع النميمية والإفتراء واتِّباع طرقِ الخبث والمكر والمكيدة لعرقلة مسيرة حياته ونجاحه، متناسين أنَّ نجاحَ الآخرين هو نجاح مجتمعنا ووطننا وعنوان رُقيّنا الإنساني.
وحتى كلامُنا، يجب أنْ يكونَ كلامَاً صالحاً للبنيان وحسبَ الحاجةِ كي يعطي نعمة للسامعين، وليس مجرد رصِّ كلماتٍ، بل أفكاراً مرتّبةً منظّمةً تعطي قيمة نوعية واضافة مميزة لتقودَ للوصولِ إلى خلاصاتٍ عمليةٍ وعلميةٍ تساهمُ في بناء مجتماعتنا الإنسانية.
ينقصنا شيء واحد أن نخلع الإنسان القديم ونلبس الإنسان الجديد التمسلِّح بهذه القيمة الإخلاقية والروحية السامية التي أرادها الله لنا لنَبنِيَ مجتمعاً إنسانياً حضارياً راقياً يعلّي قيمة الإنسان ويكرّمها.