يطالعنا بين حين وآخر كاتب يكتب بما لم يعلمه الله، فيذهب بنفسه متملقا حد السخرية بما يكتب، فيعظّم شأنا لشأن، ويمجّد ماجنا لمجد، فيمدح الفشل، ويحجّ متبركا لحاجة، ويغدو لغاية، ويصبّ جامّ إطرائه ومدحه لأولئك الذين حبطت أعمالهم من أصحاب المناصب والنفوذ، والذين لم يقدموا غير الفشل، ويظن الكاتب من هذا النوع آثما أنه يحسن صنعا بما يكتب، وما أن يمضي الممدوح بنفوذه يمضي المادح وقد ضلّ سعيه دون الوصول إلى شأن أو مجد.
القلم هو لسان حال من يكتب به، وهو ترجمان لما في قلبه، فإن صلح اللسان والقلب كتب القلم بالحق، لذا فلا يتودد الكاتب بقلمه بما ليس في الآخرين لنيل مكانة أو الحصول على مكسب، فهو ليس محلا للمساومة، وليس وسيلة تنبت أشجارا من الفساد، ولا أداة يلبس صاحبه به الحق بالباطل، فلا يستخدم لغايات خبيثة وبغيضة، فالقلم يحرّض الكاتب به على الخير، ويساعد في وأد الفتنة دون تفريط بأمانة فضح الباطل وأهله، والفساد وأصحابه.
تقف حائرا أحيانا أمام كاتب اعتاد أن يقبّح الجميل، ويجمّل الباطل، وآخر يرى الأمور دائما من حوله كلها ايجابيات وقد عمّ الخير أرجاء الوطن، وكأننا بما يكتب على أعتاب المدينة الفاضلة، وربما يكتب أحدهم متكسبا بقلمه، ولا يعي إثم ما صنع، فويل له مما كتب قلمه.
الكاتب يكتب فيكبر بما كتب، لا ينطق قلمه إلا بالحق، فيصبح سلطة بحد ذاته يحسب لها حساب، وآخر تعرفه من لحن القول الباطل، فلا يقوم له وزن ولا يحسب له حساب، وقد اشترى ضرره بما خط قلمه، وأضاع إيمانه وقلّت هيبته، ونأى بنفسه عن زمرة الكرام من الكاتبين.
يصبح البعض بأقلامهم للخائنين خصيما، فيرفعونهم حتى يرونهم الخائنون مواضع أقدامهم، فهؤلاء هم هم أصحاب الأقلام المأجورة والنفعيّة، والتي تتصدر كتاباتهم صفحات وسائل الإعلام، وينغمسون حتى الأذقان في الكذب والرياء والتدليس، وجلهم ممن أغدقت عليهم الدولة بالمال والمنصب والجاه حد الثمالة، ومقابل هذه الأقلام المأجورة عديد من أقلام الحق المهجورة التي لا تجد لها طريقا للنشر.