لنعترف نحن الأردنيون أننّا من جيل يطرب لصوت الرصاص ، وهو فعل فرح ولا يقصد به الإيذاء عندما كانت الناس تفرح في فضاءات مفتوحة، حيث بيوت الشعر وفي ساحات القرى ، والسماء بلا أسلاك كهرباء، ولا بنايات شاهقة مكدسة لا مساحات للتنفس غير البلكونات والشرفات .
الأردني يعشق السلاح وهو جزء من ثقافة الفروسية ، ومطلوب للدفاع عن النفس وعن العرض والأرض ، وهو لردّ الغزو والطلب عندما كانت القبيلة والعشيرة هي الملاذ وقبل أن ظهور فكرة الدولة، وأن السلاح يجب أن يكون منضبطا ومنظما ، وبيد السلطة فقط ولا حاجة لنا به في ظل سيادة القانون .
لنعترف أننا عشنا مرحلة المباهاة بالسلاح ، وأن الشباب عندما يسمع الصبايا في الأعراس والدّحية والهجيني يزغردن وينادن على فروسيته ، " يا محمد يا محبوبي وسمعّني صوت الردنيّة " ، لا مجال إلا أن يردّ عليهنّ بصوت الرصاص إظهارا لفعله البطولي .
في مرحلة من تاريخ الأردن عندما أوشكت سلطة الدولة على الإنهيار ، خاف الناس وخافت العشائر وأصبح الدفاع عن النفس مطلوب شخصيا ، فلجأ الناس للسلاح وربما سهّلت الدولة إقتناء الأسلحة ، إنتهت هذه المرحلة وإنتصرت سلطة الدولة ، ولكن لم تنتهي الثقافة وترسخّت كلمّا شعر الناس أن الدولة لا تفتح قنوات للحوار ،وأصبح وسيلة للإحتجاج ، ووقفت ضدهم سواء في نقص الخدمات أو في خسائر الإنتخابات ،، ووصلت ذات مرة بأن نائبا في البرلمان سحب كلاشنكوف ضد زميله .
ظاهرة إطلاق الرصاص هناك من يربطها بالعشائر وهو ربط غير حقيقي وربط خبيث من مدعي المدنيّة والآيدلوجيات التي تحارب الناس على الهوية ، وهي ثقافة منتشرة في كل القرى والمخيمات ومسؤول عنها من يقترفها وليس عشيرته أو عائلته ، العشائرية قيم عالية وطيبة ، ووحدة إجتماعية منضبطة..
ثقافة " سمعّني صوت الردنيّة" تحتاج من الدولة اليوم السير في خطين موازيين بأن تجمع السلاح من يد الناس ، وتقنعهم أنها هي المسؤولة الوحيدة عن حمايتهم ، والتأكيد على سيادة القانون فوق الجميع، وهذا يحتاج لتعميق وإعادة الثقة بالحكومة وأجهزتها ، والمسار الآخر وهو ثقافي توعوي بأن الإحتفال والإحتجاج بالسلاح والرصاص هو نوع من الجاهلية، وهو ليس من الدين والتحضّر ومضرّ وقاتل للبلاد والعباد .