تعود بي الذاكرة الى عام 1969 عندنا كنت استعد لتقديم امتحان الشهادة الثانوية العامة التوجيهي. كنت استعد " اذاكر " على الدُوَّار الثاني جبل عمان ... الدوار هو ميدان Roundabout " عند منتصف الليل... المكان كان جميلا ويزدان بانواع عديدة من الازهار في حديقة منظمة... كان هادئا وحركة السير خفيفة ... الجو كان صيفيا لطيفا... كنت اسكن في " حي المصاروة " القريب...
وبينما كنت اتمشَّى في المكان رسخ في ذهني اسم
" العين : احمد اللوزي " على احد المنازل....
نجحتُ في امتحان الثانوية...استجبت الى اعلان من الاذاعة الاردنية عن حاجتها الى مذيعين... كانت هذه الامنية التي رافقتني منذ طفولتي ان اصبح مذيعا في الاردن ، وبعدها BBC لندن. ... اشرف على اختباري الاعلاميان البارزان آنذاك نقولا حنَّا وغازي زعبلاوي... اخبراني لاحقا ان الاذاعة وافقت على تعييني في انتظار قرار المدير العام ...كنت لحوحاً في الحصول على الوظيفة... وبعد اكثر من شهرين تذكرت منزل العين احمد اللوزي ، وخطر ببالي ان اذهب اليه ليساعدني .... ليس واسطة ولكن لحث الاذاعة على اصدار كتاب تعييني...
قمت بزيارة العين اللوزي الذي رحَّبَ بي ... وكان بشوشا وكريما ومرحِّبَاً... وقدَّم لي عََمَّه عبد الله اللوزي " ابو قبلان " الذي كان حاضرا في الجلسه... شرحتُ له تَعَلُّقي بالاذاعة وما حصل معي... اتصل هاتفيا مع مدير الاذاعة وشرح له حبي للاذاعة وعشقي لها، وهو ينتظر بفارغ الصبر صدور كتاب تعيينه.... مدير الاذاعة طلب ان اراجع مكتبه ... استقبلني موظف على مدخل الاذاعة واصطحبني الى قسم شؤون الموظفين وهناك وقعت كتاب تعييني للالتحاق بالعمل في اليوم التالي 14/01/1970.
عدت الى اللوزي شاكرا.. قال لي ساتابع عملك وتمنى لي التوفيق... فتح لي مكتبه كلما احتجت اليه بخصوص عمل اذاعي.. زوّدني برقم هاتفه الخاص في المكتب وفي البيت ... كنت ازوره دائما في الاعياد... في لندن داومت على الاتصال به هاتفيا ليلة كل عيد ... كان يحييني دائما ب" اهلا بفرسان الاردن "..
كثيرون يذكرون احمد اللوزي ... رجل دولة من الطراز الاول، رجلا عادلا ومحسنا، رجلا لم يغلق بابا امام قاصد له.
هذا الرجل الاردني الشريف، رحل الى جوار ربه قبل ست سنوات، وعزَّى به الاردنيون من كافة انحاء البلاد حيث توافدوا الى مكان العزاء الذي اقيم في استاد عمان الدولي نظرا لعدم وجود مكان يتسع للاعداد الهائلة من المعزين.
صحيح ان هذا الرجل رحل عن هذه الدنيا، لكنه سيبقى حيَّا وحاضرا في قلبي ما دام ينبض بالحياة.