في مقالتي الآولى تحدثت عن أهم التحديات التي تنتظر مجلس النواب وتحدثت بالتحديد عن تلك قصيرة الأمد والتي على المجلس تناولها بأسرع وقت، الحالة الوبائية والوضع المالي الإقتصادي الإجتماعي للدولة الأردنية يمثلان أهم التحديات التي تنتظر المجلس بصفة إستعجالية وهذا بإختصار ما ورد في خطاب العرش السامي بإفتتاح المجلس.
التحدي طويل الأمد هو الوضع السياسي وإذا تطرقنا فقط للوضع السياسي الداخلي والذي يتطلب الكثير من المراجعة والإصلاحات والتي تتمحور جميعها حول قانون الإنتخاب بالدرجة الآولى، القانون والذي على أساسه تمت الإنتخابات النيابية ولأول مرة بتاريخ الأردن لمرتين متتاليتين ولهذا فإننا أصبحنا نعرف مخرجاته، فقد أصبح واضحاً للجميع أنه لم يعد يفي بإحتياجاتنا من إصلاح.
أذكر جيداً عندما قدم قانون الإنتخاب الحالي في البرلمان السابع عشر كانت الأسباب الموجبة تتلخص بتعزيز النهج الإصلاحي السياسي ولتمكين القوى السياسية من التآلف في كتل او تجمعات انتخابية لغايات انتخاب مجلس نواب يمثل الفئات الاجتماعية والاتجاهات الفكرية والسياسية للوصول للحكومات البرلمانية ولضمان سلامة العملية الانتخابية بإدارة الهيئة المستقلة للانتخاب وزيادة التمثيل النسائي في البرلمان.
اليوم أين نحن من كل هذه الأهداف؟ ليس فقط لم نحقق شيئاً من هذه الأهداف بل حصل تراجع سياسي كبير، فقط في المجلس السابع عشر كانت هناك 3 كتل سياسية، اليوم البرلمان لا يحتوي على أية كتلة مبنية على برنامج سياسي، تراجع التواجد الحزبي واضح للجميع، بهذا القانون تراجعت وبإستمرار نسبة المشاركة بالإنتخابات، الكلية، الشباب أو المشاركة النسائية، بهذا القانون تعزز العمل الفردي بدل العمل الجماعي والذي كان أحد أهم محاور الأسباب الموجبة للقانون، المرشحون هم فرادى وكل له برنامجه والكل يوصي فقط بالتصويت له وحده داخل القائمة مما عزز الإنقسام الإجتماعي والعشائري وأجج الفتنة والإنقسام داخل المجتمع الواحد. هذا من شأنه أن يكون مردود عكسي على الحكومات نفسها لأنه سيصعب الحوار بين الحكومة والنواب، على أية أسس سيتحاورون وعلى أية برامج؟
نشرف في هذا العام على مئوية الدولة الأردنية وأعتقد من غير اللائق الإستمرار بهذا القانون، دول كثيرة ولدت وبدأت بعدنا وكان السبب الرئيسي لتطورها هو الإصلاح السياسي وقانون الإنتخاب بالدرجة الآولى، لا يعقل أننا بعد مئة عام ما زلنا نتكلم عن مشاركة الشباب ومن ثم نضع شرط الثلاثين عاماً للترشح، لا يعقل أن لا يكون هناك ترتيب وفرز للمرشحين قبل الإنتخاب لنعرف ما هي برامجهم، ما زلنا نشتري "ع الغميض" وهذا لا يجوز لدولة عمرها مئة عام، لا يعقل أن تكون المشاركة النسائية، إنتخاباً وترشحاً بما هي عليه الآن ونتكلم في كل لقائاتنا ومحاضراتنا عن تمكين المرأة، لماذا كل هذا التناقض؟ النواب ننتخبهم اليوم ونلعنهم غداً ونطالب بحلهم وإعادتهم لبيوتهم، هل يعقل كل ذلك؟
ما يحدث عادةً في كل الدول الديمقراطية أنها ترى مخرجات القانون وعندما ترى أن هناك من الأمور لم تحقق أهداف العدالة والمساواة بين الجميع فهي تلجأ لتصحيح القانون وبإستمرار.
لكل ما ورد فإن إيجاد قانون إنتخاب جديد بنظرتي المتواضعة يمثل التحدي الأكبر أمام مجلس النواب الحالي.