منذ أن بدأت جائحة الكورونا تتصدر الأحداث في العالم، بدأ الأردن في النصف الثاني من شهر مارس العام الماضي بتطبيق "قانون الدفاع" للتعامل مع جائحة الكورونا وتطوراتها ومنذ ذلك الوقت صدرت سلسلة من "أوامر الدفاع" أحدثها جاء في نهاية الشهر يناير الماضي.
وينص الدستور الأردني في المادة 124 على مقتضيات تطبيق "قانون الدفاع" بحيث يحدد التعامل به في حالة الدفاع عن الوطن من خلال إتخاذ التدابير والإجراءات الضرورية والتي قد تصل إلى وقف قوانين الدولة العادية، وإنتشار الآفات والأوبئة هي احد الأخطار التي تستوجب تطبيق "قانون الدفاع"
ومن صلاحيات رئيس الوزراء في إطار قانون الدفاع "وضع قيود على حرية الأشخاص" وغيرها العديد من الصلاحيات، ومخالفة أوامر الدفاع يتبعها عقوبات تتراوح ما بين السجن والغرامات المالية.
تراوحت سلسلة أوامر الدفاع بين العديد من الأمور منها الأمنية والاقتصادية والتنظيمية وغيرها، وأحدثها تلك الأوامر صدر في نهاية شهر يناير الماضي تحت رقم (25) وبموجبه يتم فرض غرامات تتراوح ما بين 30 إلى 50 دولار على الأفراد وما بين 700 إلى 1400 دولار أمريكي على منشات القطاع الخاص في حالة عدم الإلتزام بارتداء الكمامة والتباعد الجسدي وعقوبات تصل لإغلاق مؤقت للمنشآت المخالفة.
ومما يلفت النظر إستخدام لغة التهديد من اجل تطبيق أوامر الدفاع سواء من رئيس الوزراء أو من خلال الوزراء وأحدث النماذج كان وزير التربية والتعليم محذرا أنه سيتم تطبيق العقوبات على المعلمين غير الملتزمين بالبروتوكول الصحي، وفق أوامر الدفاع، ونظام الخدمة المدنية.
تعيدنا مفردات التهديد التي إستخدمها رئيس الوزراء وبعض الوزراء خلال فترة الكورونا من أجل تطبيق القوانين إلى فكرة غياب ثقافة إحترام القانون عند فئة ليست بالقليلة من المجتمع، وهي الظاهرة التي تستحق الوقوف عندها ودراسة أسبابها للوصول إلى تعامل تلقائي مع القوانين بحيث لا يضطر المسئولين للتهديد خصوصا مع وجود دستور ونصوص قانونية واضحة.
في شهر أبريل من هذا العام سيحتفل الشعب الأردني بمئوية الدولة الأردنية، وقد تجاوزت المملكة منذ تأسيسها عام 1921 الكثير من التحديات ولكل مرحلة منذ التأسيس لغاية الحاضر تفاصيلها وحيثياتها ومفرداتها.
وأحد الأمور التي تحتاج إلى المراجعة هي كيفية تأسيس الأجيال الجديدة على ثقافة إحترام القوانين، وهذا التأسيس لابد أن يأتي من خلال مؤسسات التربية وأبرزها البيت والمدرسة ودور العبادة وغيرها، وهذا لا يمكن أن يقوم به مسئولين فاسدين!
لكن في البداية يجب أن تتوفر الإرادة لتحقيق ذلك وهذه الإرادة تتطلب الكثير من التضحيات، فعلى سبيل المثال "الواسطة" هي أحد طرق التجاوز عن تطبيق القانون ويلجأ المواطن لها في الكثير من الأحوال، وهي طريقة متاحة بشكل مباشر للبعض ممن يرتبط بصلة قرابة أو صداقه مع مسئول هنا أو هناك، بينما تتوفر بطرق أخرى للبعض الأخر تصل إلى حد دفع المال "الرشوة".
الواسطة والمحسوبية هي سلوكيات مجتمعية عميقة ويبدأ التعامل بهم منذ الطفولة بشكل مبسط من البيت حتى تصل إلى أعلى مستوياتها حتى تصل إلى غياب مفهوم "العدالة الاجتماعية" عندما يحصل البعض على الميزات ويحرم منها البعض الأخر ممن لا يمتلك الواسطة!
ويشكل استخدام "النفوذ" من قبل بعض كبار المسئولين أحد أهم طرق تغييب ثقافة إحترام القانون وذلك من أجل البحث عن المصالح الشخصية على حساب سيادة القانون والعدالة، وهذا أحد أسباب بحث المواطن البسيط عن طرق غير قانونية لقضاء مصالحه.
أيضا ترهل الإقتصاد وزيادة التضخم وتدني دخل المواطن مع تراجع فرص الحصول على عمل حتى لحملة شهادات الدراسات العليا يقلل من إحترام وإتباع القوانين وتتزايد الحاجة للبحث عن الأساليب الملتوية من أجل "تمشية الحال" كما يقال.
الحقيقة أن الإستفادة من غياب ثقافة إحترام القانون تبدأ من شخصيات في مناصب كبيرة ومن هنا يبدأ الشد العكسي، وهذا بحد ذاته أصعب العوائق أمام تغيير مجتمعي يرتقي بالوطن في المئوية الثانية.
فتطبيق القوانين على الجميع سواسية له منافع كبيرة على الأفراد وبالتالي على الوطن وهو خير ما يجب أن يتم العمل من أجله مع بداية المئوية الثانية للدولة، فلا شك أن سيادة القانون تؤدي إلى حياة كريمة يبحث عنها الأغلبية ومن اجلها هاجر ملايين البشر نحو دول بحثها عنها!
هنالك العديد من المؤشرات على قدرة الإنسان الأردني على التعامل مع الأنظمة والقوانين وقد تكون سمعة الأردنيين المغتربين خارج الوطن ومدى إلتزامهم أحد أبرز المؤشرات، ولكن تطبيق تلك المفاهيم في الأردن تتطلب سلسلة إصلاحات إجتماعية وإقتصادية وإدارية، ولكن السؤال متى ستتوفر الإرادة الرسمية والشعبية للبدء!