تُعرِّف الأمم المتحدة «التنمية البشرية» بأنها توسيع خيارات الإنسان، وأن تنمية الإنسان هي الهدف والوسيلة والغاية، ولذا فإن التنمية تكون ببناء الإمكانات للمجتمعات ، بما يمكّنهم من تحسين حياتهم، وهم كذلك الوسيلة بمشاركتهم الفاعلة في كل مكونات حياتهم. فالتنمية المستدامة تعني أن يمتلك الإنسان القدرة على التأثير والمشاركة في كل ما يكوّن حياته، ولذا فإن النمو الاقتصادي، وإن كان مطلبا مستهدفا وجوده، فهو لتحقيق التنمية الشاملة، ولكنه ليس غاية في حد ذاته، وإنما أداة يتم تسخيرها لتحقيق تطلعات الإنسان وغاياته هذا عندما يكون الإنسان محور التنمية الحقيقية.
بين الحين والآخر تطلق شركة تطوير وادي عربة تصريحات كما حدث بالأمس في لقاء مديرها مع جمعية الرخاء لرجال الأعمال تتجاهل فيه الحديث أو الإشارة إلى أهالي وادي عربة ويتحدث مديرها وكأنها منطقة خالية من السكان في حالة مثالية رائعة للتجارب كما هي أفلام الخيال العلمي السينمائي..
إننا أمام تناقض واضح بين الواقع والحديث عن فرص الاستثمار الواسع النطاق الذي يعرض فرصاً لزيادة الإنتاج والمكاسب التي سيحصل عليها المستثمرون ، دون الحديث عن حقوق أصحاب الأرض من أبناء المنطقة ، أو الحديث عن توفير بنية تحتية متكاملة والتي تشكل عنصراً أساسياً في خطط الاستثمار، كما تعدّ عنصراً رئيسياً في تحفيز النموّ وتحقيق أهداف التنمية المستدامة. إنّ الحاجة لتطوير البنية التحتيّة للوصول إلى مستوى مقبول هو أمر شائع عند الحديث عن المميزات الاستثمارية، إلّا أنّ طبيعة «الفجوة» في البنية التحتيّة والخدمات الأساسية في وادي عربة تشكل تحدي للفرص الاستثمارية والقدرة التنافسيّة، فشبكة الطرق الرئيسية في وادي عربة منذ ستينات القرن الماضي وبمسرب واحد من العقبة وحتى منطقة البحر الميت 90% منها بدون إنارة، والطرق الداخلية تحتاج إلى الكثير في ظل محدودية إمكانيات البلديات ، وشبكة الكهرباء تتعطل كلما هبت الرياح ، والمياه قصة أخرى أكثر مأساوية من شبكة مياه متهالكة إلى أبار مياه زراعية معطلة ومالحة , لكن كيف له أن يعرف وهو لا يتواجد في المنطقة ويتحدث بإطار نظري بعيدا عن الحقيقة والواقعية !!
أما الحديث عن مميزات الاستثمار , وان التسهيلات للمستثمرين تشابه منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة أو اقل لان وادي عربة من جيوب الفقر المدقع المستمرة، والله لا ندري هل فقر أهالي المنطقة ميزة يحصل من ورائها المستثمر على تسهيلات ، ماذا عن أبناء المنطقة الذين يعيشون حقيقة الفقر والحرمان أم هم خارج الموضوع !!.
أما الحديث عن النافذة الاستثمارية الموحدة one-stop shop)) التي نحتاج لأن نتوقف عندها لأنها ببساطة غير موجودة على ارض الواقع ومن الأمثلة على معاناة المعاملات الحصول على سند ملكية ارض في وادي عربه من دائرة الأراضي فيجب الجري مابين سلطة وادي الأردن والبلدية المعنية ودائرة الأراضي مع النماذج المعتمدة وكان الأولى أن تكون في مكان واحد.
لقد كان الحديث عن فرص صغيرة ومتوسطة للاستثمار في وادي عربة، فلماذا يستثنى أبناء المجتمع المحلي عند الحديث عن فرص في المنطقة ، وماذا عن الجمعيات الزراعية الموجودة في المنطقة عند الحديث عن زيادة الرقعة الزراعية والمحاصيل النوعية ومواجهة البطالة بخلق فرص عمل جديدة ، الجمعيات تملك الأراضي والبنية التحتية الأولية وإذا وجدت الدعم والتسهيلات ستكون كيانا أساسيا في تدعيم الأمن الغذائي وتنمية الثروة الحيوانية وتوفير المنتجات الزراعية الأساسية من حبوب ولحوم وألبان وفواكه .
مدير الشركة الذي ينتقد حيازة صغار المزارعين على وحدات زراعية عاجزين عن زراعتها كما قال , لم يذكر أن مزارعين يصارعون للحصول على المياه مع ارتفاع أسعارها ، فتكلفة المياه أكثر مرة ونصف من تكلفة المياه على مزارعي الأغوار ، ولم يذكر ان الوحدات الزراعية ( 20 دونم ) مخصصة لأكثر من مزارع ( حصص مشاع ) التي تم توزيعها على عدد محدود جدا من أبناء المنطقة مما عطل الحصول على قروض زراعية ، هذا بالإضافة الى وجود مشكلات فنية وتقنية في الوحدات الزراعية من ضعف المياه المخصصة للزراعة وقلتها ووجود الحجارة التي هي أكثر من تربة الزراعة دون قيام الشركة بأي عمل جدي لحل قضايا المزارعين المتعثرين والجمعيات الزراعية . والحل كما قال مدير الشركة هو العمل على ضمان الأرض بالدخول في شراكات مع صغار المزارعين ، وفي المقابل تقدم الأراضي وأبار المياه للمستثمرين مع التسهيلات!. فهل هناك تعمد لإفشال قطاع الزراعة المحلي ..؟؟
أما الحديث عن السياحة فوادي عربة حباها الله بمناطق طبيعية خلابة وفصائل نباتية و حيوانية متميزة Fauna and Flora وتراث حضاري عريق يتجلى من خلاله تاريخ المنطقة وهويتها , ومنافسة أبناء المنطقة بالاستثمار في السياحة البيئية في مناطقهم وإقامة مخيمات سياحية وتوفير سيارات دفع رباعي (بحاجة لدراسة أثرها البيئي ) مع وجود جمعيات سياحية أهلية يعتبر منافسة غير شريفة للمجتمعات المحلية ، ففي كل مناطق العالم تستأثر المجتمعات المحلية بنصيب الأسد فهي تتحمل العبء الأكبر في تنشيط هذه السياحة وتعريف السياح بالجوانب السياحية المختلفة ،وعلى عاتقها تكمن مسئولية تعزيز النشاط السياحي بل من ممارستها يخرج السياح بالانطباعات العامة عن المنطقة وأهلها وكما أنها تخلق فرص عمل لأبنائها من خلال المرشدين السياحيين ومنظمي رحلات السفاري وغيرها .
تتحدث الشركة عن مخطط شمولي قيمته (60) ستون مليون دينار فأين ذهبت وأين المسؤولية المجتمعية للشركة CSR ولماذا لا تتبرع للمجتمعات المحلية والجمعيات بسيارات الدفع الرباعي وتدرب الشباب وتدعم الخدمات الأساسية وغيرها ، أم يجب أن يكون هناك دائما حصة ومقابل للشركة في الفرص المحلية للمواطنين والدخول معهم بشراكة في المشاريع فهل دور الشركة تطوير وتنمية أم استثمار لصالحها كما هو الحال في استراحة مثلث قريقرة.
الحديث عن هوية وادي عربة و أنها حقل تجربة لمن شاء " تعال جرب " فنقول لقد جانبت الصواب ، فهوية الوادي من أهلة الصامدين الذين اثبتوا للجميع أنهم كانوا ولا زالوا حماتها منذ تأسيس المملكة.
إن الفرص الاستثمارية لا تحتاج إلى محاضرة بل تحتاج لشراكة حقيقية مع المجتمعات المحلية أصحاب الأرض وتحتاج لوجود مخطط شمولي Master Plan حقيقي و خارطة استثمارية Investment Plan وربطها بالمخطط الشمولي تتضمن دراسة الموارد المتوفرة والمزايا النسبية والتنافسية و السياسات التنموية و إعداد قائمة أفكار المشاريع والفرص الاستثمارية في القطاعات الواعدة في المنطقة بالإضافة إلى كافة متطلبات ومقومات نجاح تحويل هذه الأفكار والفرص إلى مشاريع حقيقية و توفير دراسات الجدوى الاقتصادية الأولية Visibility Studies للمشروعات المدرجة، وبيان التوزيع الجغرافي للفرص الاستثمارية و خطة ترويج الاستثمار Promotion Plan هذا إذا كان الهدف حقا هو الاستثمار !!
نحتاج للاستثمار المسؤول المستدام أو الاستثمار ذا المردود الاجتماعي الذي يُعد أحد أشكال الانضباط الاستثماري الذي يراعي المعايير البيئية والاجتماعية معا ، ويضمن مراقبة الصناديق والمحفظة الاستثمارية لأداء كل شركات المحفظة إن وجدت . حتى ننتهي من حديث المقارنة غير الموفق "بالجانب الآخر " حيث ان التنمية المستدامة لديهم تعمل ضمن نظام متسق يضم السياسات والبرامج الاقتصادية والاجتماعية في خطط شاملة والتي للأسف مازالت مفقودة لمنطقتنا ، وحيث يعتبر الإنسان عندهم غاية وهدف التنمية ويحاسب المسؤول إذا قصَّر حتى لو كان رئيس وزراء , وهذا سبب النجاح.
وادي عربة الغنية بأهلها ومواردها الطبيعية ستكون بجهد أبنائها والعمل التنموي الحقيقي الجاد طوق نجاة للوطن بإذن الله ولن تكون حقل تجارب للعابرين وللحديث بقية.