أن يقدم الوزير استقالته نتيجة لتقصير في مكان ما من حدود مسؤولياته، أو حدث وقع هنا أو هناك، أو فشل في ادارة أحد الملفات، فهذا لا يعني بالضرورة أنه المسؤول المباشر عن ما يحدث، بل هي مسؤولية أدبية باعتباره مسؤولا عن إدارة جميع الشؤون المتعلقة بوزارته بموجب الدستور، وهي مسؤولية ليس لها وجود في ثقافتنا العربية، وفي المقابل فان استقالة المسؤول نتيجة الصعوبات والعقبات التي تعترض عمله، أو لاختلاف في وجهات النظر مع غيره، أو لأي سبب آخر هي هروب من تحمل المسؤولية والمواجهة مدفوعة بتوقع الفشل.
الوزير والمدير وغيرهم ممن هم في المواقع القيادية مسؤولون بشكل غير مباشر عن ما يحدث من اهمال أو تفريط أو إخلال بواجبات الوظيفة أو إساءة استعمال السلطة من قبل الموظفين في المؤسسات التي يترأسوها، لكن استقالة الوزير أو المسؤول المعني تعلي من قيم ومن شأن الالتزام الأدبي والأخلاقي أمام الرأي العام، وبذلك يكون قدوة لغيره من العاملين في الحرص على أداء الواجب، وتحمل المسؤوليات.
استقالة الوزير أو المدير ليست نهاية المشكلة وليست حلا كافيا لها، وإنما بداية البحث في المشكلة للتوصل للحقائق والوقوف على مكامن الخلل، ومحاسبة المقصرين في أداء واجباتهم، ووضع الحلول العملية القائمة على المساءلة لتفادي تكرار الاخطاء والتجاوزات.
يجب أن يتحمل كبار الموظفين والرؤساء المسؤولية عن اهمال المرؤوسين لكن لا يجب أن يفلت المرؤوسين المسؤولين بشكل مباشر عن التنفيذ من المساءلة والعقاب، فليس الموضوع هو أن نكتفي بتقديم كبار المسؤولين اكباش فداء لصغار المسؤولين المهملين والمقصرين في أداء الواجب، فكل نفس بما كسبت رهينة.
في كثير من الأحيان تبدو التعليمات والتوجيهات واضحة ومحددة ومتكررة وكافية، ويتم افهامها للموظفين، وبالرغم من التدريب الكافي للموظفين على أداء اعمالهم إلا أن بعضهم اعتاد اللامبالاة والاهمال في اداء الواجب وتنفيذ التعليمات، وحتى التنمر على مسؤوليه، ويستند في ذلك الى داعميه من كبار المسؤولين من العاملين في نفس المنشأة أو من خارجها، وأمثالهم تم تعيينهم على الأغلب بالواسطة والمحسوبية.
مسؤولية المتبوع عن اعمال التابع قضية جدلية وتتشعب فيها الآراء، ولها أبعاد قانونية، الإ أن المسؤولية تصبح مشتركة ويتحملها الطرفان في حالات كثيرة خاصة اذا قام المسؤول باختيار الشخص الخطأ لأداء عمل معين، أو قام بتحميله أكبر من قدراته واستطاعته، أو أنه لم يراعي ظروفه النفسية والصحية، فهناك أخطاء ادارية مرفقية وهناك أخطاء شخصية بحته، وفي حال الترهل الإداري وضعف الرقابة والتوجيه وغياب المساءلة والعقاب نصبح أمام وضع مترهل ومتراكم تكثر نتيجته الأخطاء وتصبح متتابعة، وتبدأ مؤسسات الدولة في الانهيار التدريجي، مما يتطلب اجراءات اصلاحية عاجلة موسعة ومكلفة تشارك فيها كل الجهات المعنية بدءا من الاصلاح الإداري، ومكافحة الفساد المالي والأخلاقي والوظيفي، وتفعيل اجراءات الرقابة والمسؤولية القانونية الشخصية للموظفين.