دراسات استراتيجية سياسية وعسكرية....الحلقة الثالثة
الفكر الاستراتيجي السياسي للشريف الحسين بن علي قائد الثورة العربية الكبرى ومفجر رصاصتها الأولى.
الفكر الاستراتيجي السياسي للشريف الحسين بن علي دراسة محكََّمة أعدها اللواء الركن المتقاعد الدكتور محمد خلف الرقاد مدير التوجيه المعنوي الأسبق والملحق العسكري الأردني في القاهرة الأسبق ، وشارك فيها الباحث كدراسة محكمة في مؤتمر المئوية الأولى للثورة العربية الكبرى (1916 – 2016 ) الذي عقد في رحاب جامعة آل البيت – كلية الآداب والعلوم الإنسانية خلال الفترة من 10 - 11 أيـــار ( مايو ) 2016م ، وستصدر هذه الدراسة ضمن الدراسات التي قُُدِمت للمؤتمر في كتاب محكم عن جامعة آل البيت ، وستنشر وكالة النيروز الإخبارية هذه الدراسة على عدة حلقات تتحدث في كل واحدة منها عن جانب من جوانب الفكر الاستراتيجي السياسي للشريف الحسين بن علي كزعيم للعرب وكقائد للثورة العربية الكبرى ومفجر رصاصتها الأولى .
بحث ودراسة :اللواء الركن المتقاعد د . محمــــــد خلـــف الرقــــــــــــــاد
مدير التوجيه المعنوي الأسبق.
الحلقة الثالثة
الشريف الحسين بن علي: "إنها ثورة عربية يدخلها العربي كائناً من كان شريطة أن يضع مصلحة الأمة هي العليا".
في ضوء الدعوات التي وُجِّهت للشريف الحسين لإنقاذ الأمة العربية مما هي فيه، رأى أنه لا بد من البحث عن المصلحة العربية العليا، وإيجاد السبل لحمايتها وتحرير أراضيها وإنسانها.
د . الاستناد إلى وحدة العرب . وعدم التفريق بين الراغبين في الانضواء تحت لواء الثورة من حيث الجنس أو الدين أو العرق أو الطائفة، وكانت الاستراتيجية التي استند إليها الشريف الحسين تقوم على أن الانخراط في صفوف الثورة يعتبر حقاً لأي عربي كائناً من كان ، بغض النظر عن دينه وتوجهه وميله وطائفته، فالشرط الوحيد هو أن يضع الراغب مصلحة الأمة العربية هي العليا، ونقرأ هذا في قول الشريف الحسين بن علي: "إنها ثورة عربية يدخلها العربي كائناً من كان شريطة أن يضع مصلحة الأمة هي العليا".
ه . إتباع سياسة التحالف . في ضوء الوضع السياسي المترهل للدولة العثمانية والتدخلات الأجنبية في الشؤون السياسية الداخلية للعثمانيين، فكّر الحسين بن علي ملياً في هذه الأحوال والظروف التي كانت تؤثر على العرب على الصعد المحلية والإقليمية والدولية، وفي ضوء الدعوات التي وُجِّهت للشريف الحسين لإنقاذ الأمة العربية مما هي فيه، رأى أنه لا بد من البحث عن المصلحة العربية العليا، وإيجاد السبل لحمايتها وتحرير أراضيها وإنسانها.
وفي هذا الخضم من الأحداث والمواقف، قام الشريف الحسين بن علي بتحليل لهذه الأوضاع السياسية المتزامنة مع ضعف الإمكانات العثمانية في مواجهة الصراع السياسي والعسكري، وجد أن ميزان القوى السياسي والعسكري يميل إلى صالح دول الحلفاء ضد دول المحور، فبريطانيا كانت تنشر قواتها في المحيط الهندي وفي البحر الأحمر وتحيط بالجزيرة العربية، والقوات الفرنسية تنشر قواتها في البحر الأبيض المتوسط، إضافة إلى السعي الروسي للوصول إلى المياه الدافئة في الشرق الأوسط ، وبعد أن رفض الأتراك المطالب العربية، وفشلوا في حماية الولايات العربية، ونقلوا الجيوش التركية التي كان أكثر قوامها من العرب إلى جبهة القوقاز، وأخلوا العراق من الجيوش النظامية مما سهل سقوط البصرة في أيدي الانجليز، فكان لا بد للشريف من أن يحزم أمره لتحقيق هدفه الاستراتيجي والبحث عن مصلحة العرب العليا بمد يد التحالف مع بريطانيا التي عرضت مساعدتها عن طريق اللورد" كتشنر" في القاهرة بدعم قيام الثورة العربية ضد الأتراك إن وقف الشريف حسين مع بريطانيا في حربها ضد دول المحور، حيث قام السيد "ستورز" بإرسال شخص مصري الأصل يدعى "علي أفندي البزار" إلى الطائف ويحمل كتاباً إلى الأمير عبدالله بن الحسين يدعوه فيه إلى عرض الكتاب على والده الشريف الحسين، وقد اشتمل الكتاب على البيان الذي تحللت فيه بريطانيا العظمى من صداقة تركيا بعد أن انحازت إلى جانب ألمانيا في الحرب، ويسأل " ستورز" سمو الأمير عبدالله : "هل أنتم وسمو والدكم ما زلتم على رأيكم الأول في القيام بما يجر إلى استقلال العرب استقلالاً تاماً، فإذا كنتم كذلك فإن بريطانيا العظمى على استعداد لإمداد الحركة العربية بكل ما هي في حاجة إليه" ( عبدالله بن الحسين ) .
من خلال النص نجد أن بريطانيا بهذا العرض قد ضربت على وتر حساس لامس الأهداف السياسية العليا للشريف الحسين والأحرار العرب الذين كانوا تواقين لتحقيق الاستقلال بالانفصال عن الدولة العثمانية ، وإنشاء الدولة العربية المستقلة، ومع هذا كان الشريف الحسين بن علي حذراً ، فلم يجب على التساؤل ، مما حدا بالسيد "ستورز" إلى استئناف العرض مرة ثانية بعد شهر ليؤكد حسن نوايا بريطانيا تجاه العرب، خاصة بعد انفكاك علاقاتها السياسية مع تركيا، وبعد ذلك دخل على خط الحوار مع بريطانيا السيد" هنري مكماهون " الذي عُيِّن نائباً لملك بريطانيا في مصر، وجرت مراسلات بينه وبين الشريف حسين بن علي عرفت في التاريخ السياسي للثورة العربية الكبرى بـ " مراسلات الحسين- مكماهون "، وفي تحليل نصوص هذه المراسلات ما قد يشفي غليل الباحثين والدارسين بالمزيد من الإضاءات التي تكشف الفكر الاستراتيجي للشريف حسين بن علي، وقد تنصفه من بعض الظلم الذي لحق به من العرب وغير العرب الذين انتقدوا هذه المفاوضات، وهنا لا بد من الأخذ بعين الاعتبار عدة نقاط تتلخص فيما يأتي :( العمري ، 1991):
(1) أن منتقدي المراسلات باعتبارها غير قوية، فأغلبهم لم يقرأوا هذه النصوص (الرسائل) بعناية، وبنوا آراءهم تجاهها استناداً على ما سمعوه من الآخرين.
(2) أن الإنجليز حينما بدأوا المراسلات مع الشريف الحسين كانوا في وضع ضعيف، وكانوا بحاجة ماسة إلى حليف استراتيجي قوي في المنطقة، يسند مصالحهم، لكن حينما انتهت الحرب خرجوا منتصرين ، في حين كان موقف العرب يتراجع نحو الضعف، بينما هم كانوا يتقاسمون مع حلفائهم الفرنسيين والروس ممتلكات تركيا.
(3) أن السياسة لدى بريطانيا ودول الحلفاء هي مصالح ، واحترام المعاهدات والعهود والمواثيق خاضع لما يتمتع به المتعاهدون من قوة ، وقد قام الباحث بتحليل متعمق لمراسلات الحسين مكماهون التي وصلت إلى خمس رسائل، ولا أعتقد أن المجال يسمح لإيراد كامل التحليل في هذه الدراسة نظراً لما سيكون عليه من حيث كبر حجمه ، لأن كل رسالة من الرسائل كانت محملة بالأفكار السياسية التي تعكس حقيقة الفكر الاستراتيجي السياسي لدى الشريف الحسين بن علي وثباته على مبادئه، وحرصه على تنفيذ ما ورد في الرسائل، وتأكيده على الوضوح والشفافية ، وبخاصة حول تحديد حدود واضحة للدولة العربية المستقلة، والتي راوغت بريطانيا فيها كثيراً، ولمّا زاد ضغط الشريف على بريطانيا، أخذت تقضم من مناطق هذه الحدود شيئاً فشيئاً وبالتدريج .
يتبع الحلقة الرابعةصورة الكاتب اللواء الركن م الدكتور محمد خلف الرقاد .