في حجة الوداع يوم عرفة، خطب النبي عليه السلام، وأوصى جموع المؤمنين، الذين كانوا معه والذين سيأتون من بعدهم والى قيام الساعة، فقال ” ولا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، ثم بين أهمية التمسك بنصوص القرآن والسنة، لأن فيهما الهدى والعصمة من الضلال ، والنجاة من الفتن والخطوب، فقال ” وإني تركت فيكم ما إن تمسكتم به فلن تضلوا بعدي ابدا، كتاب الله وسنتي”.
وبين حرمة الإعتداء على الدماء والتعرض لها بالجرح او القتل، وكذلك حرمة الأموال والتعدي عليها بالسرقة او السلب وعدم الأداء، وبين حرمة الأعراض وجرم إنتهاكها أو الإعتداء عليها.
هذه الوصية الجامعة، يجب أن تكون مشكاة لكل الأمة المسلمة ولكل فرد فيها ، ليستنير بها في الظلمة، وليعتصم بها من الضلال والعمى في أزمنة الفتن.
في يوم عرفه، والحجاج على صعيد عرفات يتوحدون في لباسهم ودعاءهم، طلبا للعتق والمغفرة ،أعلنت خلية الإعلام الأمني التابعة لوزارة الدفاع العراقية ، في بيان لها ، عن انفجار عبوة ناسفة في سوق "الوحيلات” الشعبي، في مدينة الصدر شرقي بغداد، وأوقعت أكثر من 36 قتيلا وأكثر من 62 جريحا، واكثر القتلى والجرحى اطفالا ونساءا كانوا يشترون مستلزماتهم ليلة عيد الأضحى .
الإرهاب بحد ذاته فعل منبوذ ومرفوض، في كل حين وآن ، ومن كل عاقل من البشرية ، والأشد رفضا ونبذا ، أن يتزامن وقوع أحداث الإرهاب، مع الأعياد والمناسبات الدينية بشكل خاص ، كالتفجير الأخير الذي وقع في السوق الشعبي ببغداد ،إذ وقع في الشهر الحرام وعشية يوم عرفه، وهو يوم معظم ومقدس عند المسلمين، حيث يتجلى الله تعالى على عباده بالمغفرة، وفي وقت يستعد فيه العالم الإسلامي لإستقبال عيد الأضحى ، ليكون الفرح واللقاءات الأسرية وتصافي القلوب.
ليس بجديد ولا مستغرب ، بأن يعلن تنظيم "داعش” الإرهابي، مسؤوليته عن جريمة وفاجعة التفجير الإنتحاري الأخير في بغداد ، فهذا منهجه وديدنه، إذ امتهن القتل والدمار والخراب، وتنغيص الفرح ووأد النجاح، وتعكير صفو الامن، وصنع الإضطراب والفوضى، وخلق الويلات والأزمات.
والتفجير هذه المرة وقع في زمان ومكان ، لم يكن يتوقع حدوثه، ويعتبر خرقا واضحا في العرف الأمني ، وأتى بعد أن اعلن العراق في أواخر 2017، انتصاره على "داعش” وباستعادة الأراضي التي كان يسيطر عليها منذ صيف 2015، والتي تشكل ثلث مساحة العراق تقريبا .
وإن كان التنظيم الإرهابي، لم يمت او يفنى بشكل نهائي، فما يزال يحتفظ بخلايا نائمة ويقظة في مناطق عديدة في العراق وسوريا واليمن والصومال وجزر القمر وغيرها ، ويشن من حين إلى آخر هجمات دموية، كما تقوم الحكومات بصد بعض هجماته وعملياته ، وتنفيذ عمليات مختلفة ضد الاماكن التي يتواجد فيها.
التنظيم الإجرامي أعلن بانه استهدف تجمعا للشيعة تحديدا ، وفي بغداد…..،وفي هذا الوقت بالذات، وبعد سلسلة من الأحداث، كالحرائق في بعض المستشفيات، وتفجير بعض محطات توليد الكهرباء، وتكرار إفشال محاولات مماثلة.
وهنا أسال من يتخذون من الدين منطلقا لعملياتهم الإرهابية، أين أنتم من الهدي الرباني والوصايا النبوية؟
وكيف لنا كمسلمين، أن نقنع غيرنا، بأن الصيد محرم في الشهر الحرام، وبعضنا يقتل بعضا في يوم الموقف المعظم !
ما جرى من تسلسل وتسارع للعمليات والأحداث،بشكل حصري منذ تولي مصطفى الكاظمي مهام السلطة التنفيذية في العراق، و زيادتها بشكل ملحوظ قبل وبعد، القمة الثلاثية لتجمع الشام الجديد،وعودة داعش إلى الظهور على مسرح العمليات ، أمر يحتاج الى الوقوف عنده، لتحليل الدوافع والغايات، ومعرفة الفاعل الحقيقي وغاياته !
والسؤال.. هل تكرار هذه الأعمال التخريبية والإجرامية والإرهابية، هي لتأثير على حكومة الكاظمي وإفشالها؟
أم هي لإفشال ولادة حلف الشام الجديد، والذي سيؤثر على التمدد الإيراني ؟
ومع الرفض التام لكل اشكال الإرهاب، ولكن السؤال الذي يطرح بإستمرار ،لماذا يستهدف الإرهاب البلاد العربية والإسلامية بالذات، ولماذا يستهدف الشيعة في العراق او باكستان مثلا؟
وبما أن إيران هي مصدر التشيع في العالم ،فالماذا لا يستهدف الشيعة في مدينة قم أو أية مدينة اخرى داخل الحدود الإيرانية مثلا؟
وبما أن اليهود من يحتلون فلسطين، وينكلون بأهلها، ويدنسون الأقصى، فالماذا لا تستهدف تجمعاتهم داخل فلسطين التي يحتلونها؟
او لماذا لا تستهدف مصالحهم ومراكزهم في كل دول العالم؟
وهنا أقول أن التفجير الإرهابي الذي وقع في بغداد مؤخرا، لن يكون الأخير، والسبب في ذلك وجود البيئة الحاضنة والخصبة ، التي استحدثت بفعل كل الاعبين، الذين يدعون حفظ الامن الدولي وهم ينتهكونه، مما جعل من هذه السلوكيات الدولية الخاطئة ، أسبابا لولادة التنظيمات الإرهابيةو وتوسعها ، فعلى سبيل المثال لا الحصر، الإحتلال الصهيوني لفلسطين، وتوسعه المستمر، والإنتهاكات التي يرتكبها الصهاينة.
والتمدد الإيراني في كثير من الدول العربية والإسلامية. وتمزق الوحدة العربية والإسلامية، والانقسام الحاصل في المواقف السياسية.
والحجة الصهيوأوروبية بما سمي بالحرب على الإرهاب وتداعياتها.
القضاء على قادة التنظيم الارهابي، مقتل ابو بكر البغدادي، بتخطيط وتنفيذ من القوات الأمريكية في سوريا، واثر ذلك على الروح المعنوية للتنظيم، ثم مقتل عدنان أبو وليد الصحراوي، هو المسؤول الأول في تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى، والذي "توفي متأثرا بجروح نجمت عن ضربة نفذتها قوة برخان في آب/أغسطس 2021. ... بفضل مناورة استخبارية طويلة الأمد وبفضل العديد من العمليات لاعتقال مقاتلين مقربين من الصحراوي، نجحت قوة برخان الفرنسية في تحديد العديد من الأماكن التي كان من المحتمل أن يتحصن فيها".
من هو أبو وليد الصحراوي وماذا كان دوره في التنظيم؟
يعتبر أبو وليد الصحراوي من قدماء الجهاديين في منطقة الساحل وكان له باع طويل في المنطقة إذ شارك في القتال بشمال مالي سنة 2012 عندما كان في تحالف مع تنظيم "القاعدة في المغرب الإسلامي" قبل أن ينضم إلى جماعة مختار بلمختار ليؤسس معه تنظيم "المرابطون" في منطقة الساحل.
وأعلن بيعته لتنظيم ''الدولة الإسلامية" في تشرين الأول/ أكتوبر 2015 باسم "المرابطون" في خطوة رفضها مختار بلمختار، ما أدى إلى انقسام "المرابطون" إلى جزئين: جزء انضم إلى تنظيم "الدولة الإسلامية" وجزء عاد تحت لواء "القاعدة في المغرب الإسلامي".
ولم يعترف تنظيم "الدولة الإسلامية" ببيعته إلا بعد مرور سنة ولم يتبن عمليات خطط لها الصحراوي إلا في 2019 وهي السنة التي شهدت هجمات من تدبيره كذلك أبرزها مقتل 13 جنديا فرنسيا في حادث اصطدام مروحيتين فرنسيتين في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019 بعد أن كان المسؤول عن مقتل أول جندي فرنسي على يد "المرابطون" في 2 تشرين الثاني/ نوفمبر 2013.
ومن بين العمليات الأكثر دموية التي خطط لها أبو وليد تلك التي جدت في منطقة "تونغو تونغو" بالنيجر في 2019 والتي راح ضحيتها أكثر من 20 جنديا محليا. نفس المنطقة كانت شهدت مقتل 4 من عناصر القوات الخاصة الأمريكية في 2017.
كيف تم القضاء على أبو وليد الصحراوي؟
القضاء على أبو وليد جاء صدفة بعد أن استهدفت طائرة مسيرة فرنسية في 22 آب/ أغسطس دراجة نارية على متنها مسلحان في منطقة حدودية مالية مع النيجر أدت إلى مقتلهما. وكان أحدهما أبو وليد الصحراوي. ومنذ ذلك الحين، انتشرت أخبار بمقتله ليؤكدها الرئيس الفرنسي ليل الأربعاء.
ويذكر أن أبو عياض التونسي قتل شمال مالي في 2019 رغم أن القوات الفرنسية كانت تستهدف حينها أبو الهمام الجزائري – القائد العسكري لجماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" التابعة لتنظيم "القاعدة في المغرب الإسلامي" وتواجد معه أبو عياض بالصدفة.
ما تأثير مقتل أبو وليد الصحرواي على منطقة الساحل؟
سيكون لمقتل أبو وليد الصحراوي تأثير على فرع تنظيم "الدولة الإسلامية" في منطقة الساحل نظرا لسيطرته على الجماعة بحكم خبرته العسكرية. ويأتي مقتل أبو وليد بعد القضاء على عدد من القيادات الجهادية في المنطقة ومن بينهم محمود أغ باي المعروف بـ"إيكاراي" أحد قياديي التنظيم الذي قتل في منطقة ميناكا شمال مالي بالإضافة إلى القبض على أبو الدردار القاضي الشرعي للتنظيم قبل أشهر.
القضاء على قادة التنظيم يعد بمثابة المراهنة لأننا لا نعرف من سيخلفه في القيادة وما إذا سيكون أكثر أو أقل "فعالية" عسكريا وقدرة على ضبط مقاتليه.
وفيما يتعلق بالانقلابات العسكرية وانعدام الاستقرار السياسي الذي تشهده العديد من دول الساحل، فإن هذا الوضع يخدم الجماعات الجهادية من جهة غياب سيطرة دول المنطقة على حدودها في المثلث الحدودي ما يمنح مقاتليه حرية التنقل.
من جانبها، تضع باريس مقتل أبو وليد الصحراوي في خانة "الإنجازات" ما يسهل عليها سياسيا تبرير تقليل تواجدها العسكري المرتقب على الأرض في منطقة الساحل والتركيز أكثر على العمل العسكري الجوي والاستخباراتي.
ومع الرفض التام لكل اشكال الإرهاب، ولكن السؤال الذي يطرح بإستمرار ،لماذا يستهدف الإرهاب البلاد العربية والإسلامية بالذات، ولماذا يستهدف الشيعة في العراق او باكستان مثلا؟
وبما أن إيران هي مصدر التشيع في العالم ،فالماذا لا يستهدف الشيعة في مدينة قم أو أية مدينة اخرى داخل الحدود الإيرانية مثلا؟
وبما أن اليهود من يحتلون فلسطين، وينكلون بأهلها، ويدنسون الأقصى، فالماذا لا تستهدف تجمعاتهم داخل فلسطين التي يحتلونها؟
او لماذا لا تستهدف مصالحهم ومراكزهم في كل دول العالم؟
وهنا أقول أن التفجير الإرهابي الذي وقع في بغداد مؤخرا، لن يكون الأخير، والسبب في ذلك وجود البيئة الحاضنة والخصبة ، التي استحدثت بفعل كل الاعبين، الذين يدعون حفظ الامن الدولي وهم ينتهكونه، مما جعل من هذه السلوكيات الدولية الخاطئة ، أسبابا لولادة التنظيمات الإرهابيةو وتوسعها ، فعلى سبيل المثال لا الحصر، الإحتلال الصهيوني لفلسطين، وتوسعه المستمر، والإنتهاكات التي يرتكبها الصهاينة.
والتمدد الإيراني في كثير من الدول العربية والإسلامية. وتمزق الوحدة العربية والإسلامية، والانقسام الحاصل في المواقف السياسية.
والحجة الصهيوأوروبية بما سمي بالحرب على الإرهاب وتداعياتها.
والوجود الأمريكي والروسي في كثير من الدول التي تئن تحت وطأة الإرهاب.
والسؤال.. هل وجد الإرهاب طريقا الى العراق قبل الحرب التي أعلنت إبان حكم الرئيس صدام حسين؟
وما هي أسباب وجود وولادة التنظيمات الإرهابية على أرض سوريا؟
ومن الذي يمول ويسلح ويغذى تنظيمات قسد والنصرة والاحرار وغيرها ؟
العقل البشري وبالفطرة، يقول بما أن دول العالم تحتكم في كل قضاياها، الى القانون الدولي، والذي تمثله هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، فالماذا لا نرى تدخلا أمميا ودوليا،وبشكل حازم وحاسم لمعالجة أي إختلال او إعتلال في سلوك أية دولة معتدية، أو تنظيم إرهابي، او كيان محتل ؟
وكيف يسمح مجلس الامن لتنظيمات وميلشيات مسلحة، ظهرت أو تظهر لتنازع بعض الدول على سيادتها، وتهدد استقلالها وسلامتها؟
وهل يسمح مجلس الأمن وأعضاءه الدائمين، بمثل هذه الممارسات او لمثل هذه التنظيمات او المليشيات المسلحة، أن تتواجد في أوروبا مثلا؟
بالرغم من وضوح الأثر الداعم والمسبب للإرهاب، إلا أن البعض يغمض عينيه ويدس رأسه في التراب ، ربما جهلا به، او حرصا من البعض على مصالحه الخاصة، او خوفا من الإشارة إليه!
وهو الأمر الذي أسهم في ولادة الإرهاب وانتشار فكره، إذ أن غياب العدالة، قد تجبر بعض أصحاب الحقوق على التمرد.
ليس بجديد، أن كثير من دول العالم ، ومن بينها دول عربية وإسلامية، أعلنت عن إدانتها للهجوم الإرهابي ، وأكدت وقوفها إلى جانب العراق في مكافحة الإرهاب، وهي مواقف تتكرر في كل حدث تقريبا!
والسؤال.. بما أن العالم كله يعاني من تبعات الإرهاب، فهل تكفي عبارات الإدانه والإستنكار ؟
أم أن المطلوب وبشكل عاجل تحديد مفهوم واضح لكل أشكال الإرهاب وممارساته!
وكذلك تحديد مفهوم واضح للمقاومة المشروعة، إذ لا يعقل ولا يقبل أن يتساوى صاحب الحق مع المجرم المعتدي !
كما لا يقبل في ذات الوقت، ان يكون مسمى المقاومة، سبيلا وسلوكا ومنهجا لتفريخ دولة لها جيش، داخل كيان الدولة الواحدة،الأمر الذي بات يهدد وجود دول بعينها، ويقوض امنها وسلامتها، ويعرضها للأخطار.
والأصل والمنطق ان تنظم وتنضوي المقاومة تحت لواء الدولة او الكيان المعترف به دوليا ، وتحت مضلة قانونها، وتنطلق منها في التحرير لتحصيل الحقوق وانتزاعها كفاحا بكل ما يعني، مع إفساح المجال للمسار القانوني ، ليعترف بذلك النظال ولتكون المقاومة بشكل مشروع !
وبما تنظيم داعش يعلن ويدعي زورا وكذبا وإفتراءا، بأنه تنظيم إسلامي، والإسلام منه براء ، فهل تكفي مواقف الإدانة والشجب من الدول العربية والإسلامية على وجه الخصوص ؟
وهل تكفي المواساة ومواقف المؤاخاة، وماذا استفادت منها شعوب العراق وسوريا ولبنان واليمن وليبيا ومينمار وكشمير ؟
ومتى سيتوحد العالم العربي والإسلامي بشكل خاص، لإجتثاث جذور داعش والنصرة وقسد وغيرها من العقول والقلوب، قبل مقارعتها على الحدود وفي الخنادق وخلف السواتر والسدود؟
ختاما.. إن عدم الجدية في تحديد تعريف واضح لمفهوم للإرهاب، وتبعثر الجهود الدولية في محاربته،او تجفيف منابعه فكريا وعقديا وسياسيا وعسكريا ، ووجود بؤر ساخنة كالإحتلال الصهيوني، وعودة الإستعمار والطائفية، والميلشيات المسلحة في بعض الدول، وانعدام تطبيق القانون الدولي وبشكل حازم وحاسم، حتما سيسهم في صناعة الإرهاب وولادة تنظيمات إرهابية جديدة.
فوضوح المسميات في التعريفات الدولية والقانونية ، حتما سيساهم في لجم بعض المتطفلين والمتفلتين!
وقد آن الأوان الى الانتقال من النظريات والتمنيات، الى مواجهة الحقائق والواقع.
فيكفينا ما تعيشه امتنا من تفرق وطائفية، واقتتال وفتن، حتى أصبحنا مضرب للمثل بكثرة الحروب، والصراعات الطائفية، وتفريخ وولادة التنظيمات والجماعات الإرهابية.
وهنا أقول إن دولنا العربية والإسلامية ، معنية بشكل خاص وعاجل، لتتبنى مشروع قرار، على مستوى الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، وبعد التوافق على التعريف والتسميات،ثم يتم رفعها إلى الامم المتحدة ومجلس الأمن لمناقشتها ولإقرارها ،وذلك لتسمية الاشياء بمسمياتها وبشكل عاجل لا يقبل التأجيل والتسويف والمماطلة.