على امتداد الأرض الأردنية المباركة يقف النشامى كأشجار السنديان ثابتين ، مفتوحة عيونهم يسيجون الوطن بالمحبة والصبر والإيمان ، وفي كل موقع من مواقع الشرف قصة عطاء وانتماء راسخ ،وحبات عرق تسجل ذكريات غاليات يحملها رفاق السلاح معهم ،يرونها للأبناء والأحفاد لتسجل قصة عشق خالدة للوطن وارثه الغالي
كل المواقع تحكي قصص البطولة والعطاء ، وكل الخنادق ترك فيها الأبطال عبق التضحية الذي يجسد عطاء الجيش العربي ، لكن كل الكلمات لاتختصر تاريخ ووفاء رجال الجيش العربي ،فعلى أي خندق من خنادق الجيش العربي نقف، وبأي وصف نختصر مشاهد الصبر والثبات والانتماء الممزوج بذرات التراب والملتصق بها .
ماذا نقول للرجال وهم يربضون في خنادقهم يدثرهم المطر والثلج والعواصف، يرصدون الشمس والنور بشوق وإيمان وانتماء.
نستأذنكم أيها الرجال لنأنس بشيء من ذكراكم وانتم تجسدون معاني البطولة بثيات وإيمان وصبر.
نعرف أيها الاعزاء ان مشاهد العطاء والبطولة لاتختصرها الكلمات فالمسافة بين الاعمال والأقوال طريق حضارة ،ودرب انتصار، وسفر مبارك الى المجد والخلود، لكنني اقطف من بستان الذكريات بعضا من ارثنا الغالي من خنادق معركة الكرامة الخالدة حيث هاج الشوق " بجمال احد الابطال الذين قاتلوا في الكرامة " والذي يسكن قريبا من عمان فشد الرحال الى الكرامة مصطحبا معه حفيدته ،ووقف على الخندق الذي قاتل فيه مع رفاقه حتى تحقق النصر وانهزمت جحافل العدوان
وقف جمال على أحد الخنادق في الكرامة ومعه حفيدته، تأمل طويلا في الأماكن القريبة والبعيدة عبر موقع مطل على ارضها الواسعة ،ومرت مشاهد البطولة في ذاكرنه فرأى رفاق السلاح في كل موقع فيها ، هناك توقفت جحافل العدوان بعد أن حاصرتها نيران مدافعنا ، على تلك التلة انتفض الابطال فتسمر الاعداء مذعورين وعادوا بالخذلان والهزيمة ، في هذا الخندق حيث قاتل جمال ورفيقه سعيد زلزلت الارض زلزالها وثبتا ثبات الرواسي الشامخات لكن ، سعيد أصابته احدى القنابل فسقط مضرجا بدمائه ،احتضنه جمال وتخضيت يداه يدمائه الزكية لكنه لفظ انفاسه قبل ان تكتسي الكرامة بجلال النصر، ظل مشهد سعيد حاضرا في ذاكرة جمال الذي فاضت عيناه محبة وشوقا لرفيق السلاح سعيد ، فانهمرت دموعه الحارة على وجنتي حفيدته الذي اثار فيها سؤالا لجدها جمال عن هذه العبرات فأجابها: انها الارض والكرامة وذكريات الفرسان والأهل
الأيام والسنون، لكننا حين نلتقي بالرجال في مواقعهم ونزور ميادين البطولة تستثير فينا عبق الماضي وحجم التضحيات التي يبذلها رجال الجيش العربي وهم يذودون عن ترابنا المقدس ، وكل مواقع الشرف كتب مفتوحة في الكرامة كما في كل مواقع البطولة ترك الرجال مشاهد بطولة لاتمحوها نحتاج الى قراءة مافيها لأن فيها تاريخ الأردنين كما تخلد ارثنا العسكري الغالي الذي نحتاج الى حفظه وصيانته
ان حجم هذه التضحيات كبير، وان المسؤوليات الملقاة على عاتقنا في جمعه وتصنيفه واحيائه كبير ومقدس، غير ان هذا الارث الكبير عاش مع تأسيس الدولة الأردنية التي ظلت وفية لأهداف الأمة وقدمت التضحيات على كل الارض العربية ،والنتائج المترتبة على ذلك هامة لأنها هويتنا وقيمنا الراسخة التي قدمنا من أجلها التضحيات الغالية التي نعيش من أجل تتحقق ونراها في مستقبلنا الاجمل بعون الله ...