يَمُّرُ علينا في الحياة نماذج قيادية متعددة نحاول أن نقتدي بها وأن نتعلم منها، وأحياناً أن نكون مثلها. هذا الكلام ليس بغريب، فهذا متفشي عالم الموضة، فما أن يقوم إنسان مشهور بحركة ما أو ارتداء قطعة ملابس ما أو حذاء ما أو أن يقول قولاً ما أو أن يُرّوج لدعاية ما إلا ويصبح ذلك ترند، يريد الجميع أن يقلّده.
لكن، ماذا بخصوص الشخصية؟ فهل كل شخصية تصلح لنا، وهل كل ما يقوم به الآخرون يمكن التمثُّلُ به؟ أشبِّهُ ذلك بمن يمتلك صوتاً رخيماً وله شعبية كبيرة، فنود أن نقلِّدَه ونحن لا نملك موهبة الغناء والصوت الجميل. فعدم مقدرتنا لتقليد الآخرين بحدِّ ذاته لا ينتقص من كرامتنا ولا يُنقص من شخصيتنا، والسبب هو أن الله سبحانه وتعالى قد خصّ كلَّ واحد منا بموهبة تختلف عن الآخرين، وعلينا أن ننمّي هذه الموهبة ولا ندفنها تحت التراب، وقد خلق فينا اهتمامات مختلفة كلٌّ بحسب ميوله ورغبته، وواجبنا أن نكتشف مواهبنا وقدراتنا ومواهب وقدرات أبنائنا ونوجههم التوجيه السليم.
ولكن لا يجوز أبداً أن نكون طبعة طبق الأصل في شخصيتنا عن الآخرين، فهذا غير ممكن ومستحيل أيضاً. لكننا قد نتأثر من الآخرين ونتعلم منهم الكثير من السجايا والخصال الحميدة والعادات المستحبة مما يساعدنا لإبراز وصقل شخصيتنا، لأننا لا يمكن أن نكون إلا نحن.
ويجب أن تكون دائماً قناعتنا أن نحيا نحن كما نحن بغير تجميل أو تمثيل، فالإنسان قد يخدع الآخرين لكنَّهُ لن يقدر أن يخدع نفسه، وسيقف عرياناً أمام الله في يوم من الأيام. فهل نصقل شخصيتنا الذاتية، ونكون نحن كما يجب أن نكون؟ أن يجد الإنسان ذاته في ذاته يُدخل إلى قلبه المسرَّةَ والرضى والقناعَة، وينطلق بثقة بالنفس لا يهزمها تنمر الآخرين أو نقدهم أو افتراءاتهم.
" بنعمة الله أنا ما أنا" شعار يجب أن تنبض به حياتُنا، عندها فقط نكون قادرين على العطاء بغزارة وفيض لا يعرف إلا لغة المحبة التي زرعها الله في قلوبنا.