لا يمر عام إلا ونستذكر وعد بلفور المشؤوم والذي مر على ذكراه بالأمس مائة وأربعة أعوام، وذلك عندما أرسل وزير الخارجية البريطانية أرثر بلفور عام 1917 وخلال الحرب العالمية الأولى رسالة إلى اللورد ليونيل دي روتشيلد أبرز كبار المجتمع اليهودي البريطاني اشتهرت بإسم "وعد بلفور”. جاء فيها : ”إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إقامة وطن قومي في فلسطين للشعب اليهودي”
وهي الجريمة التي نفذها الجيش البريطاني عام 1948 عندما سلم الأراضي الفلسطينية لعصابات القتل الصهيونية المسلحة التي إرتكبت سلسة من المجازر بحق الشعب الفلسطيني الأعزل من السلاح في دير ياسين 1948 ومذبحة كفر قاسم 1956 ومذبحة صبرا وشاتيلا 1982 وسلسلة مذابح المصليين العزل في المسجد الأقصى للمصليين أعوام 1990 و 1996 و 2000 وأيضا في الحرم الإبراهيمي عام 1994 ومذبحة جنين 2002 وغيرها من المذابح المستمرة.
والكيان الصهيوني الذي يحتل فلسطين منذ ذلك العام قام من خلال مجموعة عصابات إجرامية أبرزها عصابة أرغون التي ترأسها مناحيم بيغن وعصابة شتيرن وترأسها إسحق شامير وعصابات الهاجانا المتوحدة مع عصابة البالماخ وهي العصابة التي تحولت لاحقا عند إعلان الدولة عام 1948 إلى ما يسمى حاليا "جيش الدفاع الإسرائيلي" وأبرز رموزهم إسحاق رابين وأرئيل شارون وهؤلاء الملطخة أيديهم بدماء الأبرياء الفلسطينيين داخل واخرج فلسطين وصلوا لأعلى مستويات السلطة في الكيان الصهيوني من رئاسة وزراء إلى رئاسة الدولة.
ونستذكر في هذا المقام الصحفي البريطاني روبرت فيسك الذي توفي في هذا الوقت من العام الماضي 2020 وهو الذي عرف عنه وقوفه مع حق الشعب الفلسطيني في أرضه وقد نشر مقالة شهيرة له في صحيفة الإندبندنت تحدث فيها عن رؤيته بأن نهاية الكيان الصهيوني ستكون بتدمير نفسه بنفسه بناء على رؤيته لتصرفات رؤساء وزراء الكيان الصهيوني في مصادرة الأراضي الفلسطينية وإقامة المستوطنات لليهود.
ويحسب لفيسك موقفه من الوعد عندما وصفه ب "المشين" بحق بريطانيا، وكذلك موقفه من الظلم الذي يتعرض له الإنسان الفلسطيني ومساهمة بريطانيا المستمرة في ذلك من خلال دعمها الكيان الصهيوني وفق أولوية علاقاتها التجارية، وأيضا رؤيته بأن الكيان الصهيوني سيبقى في حالة حرب وخوف في المنطقة لأنه موجود وسط أعدائه.
لازالت جملة بن غوريون مؤسس الكيان الصهيوني: "الكبار يموتون والصغار ينسون" في الذاكرة، ولكن أثبتت الأيام أنها مجرد هراء إعلامي صهيوني، وقد مرت مائة وأربعة أعوام ولازال الصغار على عهد الكبار، والأجيال لم تنسى شيئا وقد ورثت كل رائحة وحب فلسطين، بل يمكن القول أنها مستمرة في توريث كل التفاصيل التي تتعلق بفلسطين وتقاليدها وتراثها من ناحية وتوثيق جرائم الإحتلال الصهيوني حتى تتم محاكمته عليها من ناحية أخرى، وتستمر مقاومة وجود هذا الكيان بكل الأشكال سواء في داخل فلسطين أو خارجها، فمن غادر أجداده يوما ما مرغمين أصبح أحفادهم مقاومين ومتمسكين بحقهم بما هو متاح لهم من سبل.
لا يمكن فصل وعد بلفور المشؤوم عن باقي مؤامرات تلك الحقبة الزمنية وأبرزها اتفاقية سايكس-بيكو والتي قسمت المشرق العربي مثل الكعكة بين بريطانيا وفرنسا وهو ما مهد لاحقاً إلى تمكين الكيان الصهيوني في أرض فلسطين وتحقيق وعد بلفور لليهود، ورغم ثقتنا المطلقة بزوال الكيان المحتل وذلك لأسباب عديدة فهو كيان غير متجانس ولازال كيان أمني وسط منطقة تلفظ وجوده وتتحين نهايته وهو يلهث وراء اتفاقيات تطبيع بالية لا تحمل أي عمق شعبي، إلا أن العمل العربي المشترك وخصوصاً من الشباب العربي لابد أن يتبلور بشكل أفضل مما مضى لكي يتم كتابة نهاية أكبر مأساة خلفها ذلك الوعد المشؤوم.
وعد بلفور الذي صدر ممن لا يملك "بريطانيا" لمن لا يستحق "العصابات اليهودية" سيبقى وصمة عار في تاريخ بريطانيا التي عبرت عام 2017 عن فخرها بدورها في إقامة الكيان الصهيوني وتشارك دائما في احتفالات الكيان في ذكرى نشأته التي قامت على بحر من دماء الفلسطينيين، ورغم ذلك لا يمكن أن تسقط حقوق الفلسطينيين بالتقادم، فالعودة لأرض فلسطين هي حق مقدس لكل فلسطيني طرد أو خرج من موطنه في عام 1948 أو أي عام لاحق بسبب الاحتلال.