في كل عام جديد ، يطل يوم 20 كانون الثاني على شعب جمهورية أذربيجان حاملا معه ذكرى حزينة أليمة لمأساة العشرين من كانون الثاني 1990م، التي قامت فيها قوات النظام السوفيتي السابق بالعدوان السافر على جمهورية أذربيجان.
بدأت بوادر هذا العدوان تتضح جليا عام 1988 عندما ظهرت نوايا زعماء الحزب السوفياتي وبدأو بالتخطيط والمحاولات المستمرة لفصل منطقة قارا باغ الجبلية التابعة لأذربيجان وضمها إلى جمهورية أرمينيا بحيث قاموا بطرد الأذربيجانيين من أراضيهم الأصلية في أرمينيا كما تم احتلال منطقة ناغورني قارباغ وعدد من المناطق الاخرى من البلاد ، وتم تهجير وتشريد السكان الأصليين من اراضيهم الأصلية، وهم يقاسون أشد الظروف المعيشية في مخيماتهم التي تفتقد إلى أبسط مقومات الحياة الإنسانية .
وقد تمثل ذلك باستخدام قوات الاتحاد السوفياتي للقوة المفرطة ضد الشعب الأذربيجاني الأعزل دون مبرر ففي ليلة التاسع عشر من كانون الثاني عام 1990م ، اجتاحت القوات السوفياتية الخاصة عاصمة أذربيجان «باكو» والعديد من المدن الأذربيجانية الأخرى مستخدمة أحدث الأسلحة المتطورة في ذلك الوقت حيث وجه الجنود السوفييت نيران أسلحتهم الفتاكة نحو الشعب الأذربيجاني في كل اتجاه وقد سقط من المدنيين الأبرياء 137 من القتلى ، و 800 جريحا، أما عدد المفقودين فكان ما يقارب 40 شخصا.
لابد من التأكيد هنا أن هذا العدوان قد مثل بطبيعته الشرسة انتهاكا فاضحا لكافة القوانين والمواثيق الدولية ، بل أنه كان بمثابة اعتداء سافر على الكرامة والسيادة الوطنية للشعب الأذربيجاني، فقد طال هذا العدوان كل شيء في البلاد وعاث المعتدون السوفييت فسادا وتخريبا لقد دنسوا ودمروا المساجد والرموز الاسلامية التاريخية والكثير من المعالم الحضارية التي تبرز عظمة وتاريخ الشعب الأذربيجاني المسلم العريق .
وطوال تلك الفترة فقد عملت القيادة السوفيتية السابقة على إحكام سياسة الحصار الإعلامي والتعتيم على السياسة الإجرامية والممارسات الدموية والجرائم التي ارتكبتها ضد الشعب الأذربيجاني الأعزل، لم يكن حينها العالم الخارجي وخاصة العالم الإسلامي على علم بما يدور من إحداث داخل جمهورية أذربيجان نتيجة هذا التعتيم الإعلامي دون معرفة العالم ودون معرفة حقيقة الوضع في أذربيجان وما يدور بالأخص في منطقة قارا باغ الجبلية حيث أدى العدوان الأرميني ضد أذربيجان إلى تشريد أكثر من مليون أذربيجاني من أراضيهم ووطنهم.
لقد مثل هذا العدوان انتهاكا للكرامة الوطنية وقمعا لإرادة الشعب الأذربيجاني الذي بدأ كفاحه ونضاله العادل والمشروع لنيل استقلاله وحريته وإقامة دولته المستقلة.
وبالرغم من فضاعة وهول هذه الأحداث فإنها لم تضعف إرادة الشعب الأذربيجاني في سعيه ونضاله لنيل حريته واستقلاله بل عملت على تكاتف كافة فئات المجتمع الأذربيجاني في مقاومة المحتل ودفعت عملية التحرر الوطني بقوة إلى الأمام حيث تكلل ذلك باستقلال أذربيجان عام 1991م.
لقد هب الشعب الأذربيجاني حينذاك لمقاومة الاعتداءات الأرمنية بتنظيم المظاهرات والاجتماعات الجماهيرية الحاشدة تضامنا مع اخوانهم من الشعب الأذربيجاني الذي طرد من أرمينيا وقارا باغ واستنكارا لمواقف وسياسة القادة السوفيت المتواطئة مع أرمينيا والداعمة لها.
بعد نيل الاستقلال وقيام الدولة فإن أذربيجان اليوم وهي تتذكر الشهداء الابطال الذين سطروا بدمائهم ملاحم البطولة والنصر في معارك القبضة الحديدية التي استمرت 44 يوما ، وتمت من خلالها تحرير اراضي ومدن قرة باغ الجبلية ، وتحت اشراف وقيادة عسكرية محنكة من قبل الرئيس علييف . الان وبعد تحقيق النصر على العدو الارمني الغاشم ، تتمتع جمهورية اذربيجان بالسيادة والاستقرار كباقي الدول وقد حصلت على اعتراف المجتمع الدولي بأكمله باستقلالها وسيادتها وتمكنت من الحصول على عضوية العديد من المنظمات والهئيات الدولية المرموقة مثل منظمة الأمم المتحدة، ومنظمة المؤتمر الإسلامي ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبي وهي ترأس حاليا منطمه عدم الانحياز وغيرها من المنظمات الدولية الأخرى، ومن الجدير بالذكر بـأن قضية ناغورني قارباغ العادلة قد تصدرت منذ بداية الاحتلال الأرمني عناوين واجندات عمل المنظمات الدولية التي اصدرت قرارات تدين العدوان الأرمني وتطالب بسحب القوات الارمنية من منطقة ناغورني قارباغ الأذربيجانية، وتدعو لوحدة وسلامة الأراضي الأذربيجانية.
عملت أذربيجان منذ استقلالها على بناء الدولة الحديثة والمجتمع المدني القائم على المؤسسات والتعددية الحزبية ، كما اهتمت منذ تاريخ استقلالها على إقامة علاقات الصداقة والتعاون وحسن الجوار مع العديد من البلدان وفي مقدمتها بلدان العالم الإسلامي ، وقد حرصت على تعزيز علاقاتها الدبلوماسية وذلك بافتتاح سفارات لها في مختلف دول العالم وفي مقدمتها الدول العربية والعراق باذات .
وتمكنت أيضا في خلال فترة وجيزة من استقلالها على تأسيس نظام ديمقراطي مبني على التعددية السياسية وحققت خطوات وانجازات جبارة نحو تطبيق سياسة اقتصاد السوق الحر على نظامها الاقتصادي الأمر الذي شجع وجلب الاستثمارات الأجنبية وأدى إلى نقلة نوعية في الاقتصاد الأذربيجاني وقد تبعه تطورا ملموسا في العديد من المجالات الأخرى.
ومن الجدير بالذكر أن جمهورية أذربيجان تبذل كل ما في وسعها لحل النزاع الارمني الاذربيجاني بعد اتفاق موسكو واعلان وقف اطلاق النار وترسيم الحدود بطريقة سلمية حيث اكدت مرارا وبطريقة عملية تمسكها بمبادئ التسوية السلمية للنزاعات وتبني مواقفها من اجل حل المشاكل العالقة بعد تحرير الاراضي في اقليم قرة باغ الجبلي على اساس القانون الدولي وعدم المساس بسيادة وسلامة اراضي الدول واحترام حقوق الانسان.
إن أذربيجان تناشد المجتمع الدولي بإدانة العمليات الإجرامية الاخيرة التي وقعت على أرضها من قبل العصابات المجرمه الارمنية وتطلب منها الدعم والمساندة للاعادة تعمير المدن المحررة وعودة السكان الأصليين الأذربيجانيين إلى أراضيهم في مدينة شوشا وخوجالي وغيرها واحلال السلام في المنطقة .
وستبقى مأساة العشرين من كانون الثاني – يناير عام 1990 ذكرى محفورة في الذاكرة الجماعية للشعب الأذربيجاني ومحفزا لتخليد ذكرى الشهداء الأبرار الذين سقطوا على أيدي القوات السوفياتية وسوف تبقى هذه التضحيات نبراسا يستضاء به في سعي الشعوب لنيل حريتها واستقلالها واسترداد حقوقها المغتصبة .