الزعتر البري، الخبيزة، العكوب، اللوف، الهندباء، مأكولات تهبها الطبيعة ولا نزرعها في موسم الربيع ذات قيمة غذائية عالية، وترتبط بالذاكرة الشعبية التاريخية للاردنيين، لأنها تشكل جزءا من مطبخهم وخزينهم التمويني والعلاجي، كما تعد مصدر دخل لبعض الأسر، لموسميتها مع نهاية فصل الأمطار، إذ يتسابق الأهالي في المناطق الجبلية على قطف نباتات «العكوب الشوكي والخبيزة والزعتر البري والفطر البري والبابونج، التي تنمو بين الأعشاب والزرع «القمح والشعير»، والتسابق على قطاف تلك النباتات ليس هواية، بل إنها مورد رزق يؤمن لهم بعضا من «الأموال الموسمية» إذ يعمدون الى جمعها وطرحها في الاسواق لبيعها.
ويعد العكوب نباتا محاطا بالصعاب والعناء في عملية قطفه وتوضيبه للاشواك القاسية التي تحتاج الى وقت وعناء لازالتها دون ان تصاب جذور النبتة بخدوش او اصابات تؤثر على قيمتها الغذائية ونكهتها وطيب مذاقها، فكل تلك الصعوبة تتبدد وتنسى أمام طعمه اللذيذ، اما عن طرق طبخه، فيمكن ان يطبخ مع البيض او اعداده مع اللبن واللحم والبعض يقوم بطهيه مع المقلوبة بدلا من الفول، وفي النهاية فان التعامل مع العكوب يبقى اذواقا لا غير، ومعظم مشتري العكوب، يفضلونه نظيفاً من الأشواك حتى وان ارتفع ثمنه، بسبب صعوبة تنظيفه، وعند سؤالنا له عن المصدر الذي يجلب منه العكوب قال ان «نساء قرويات يقطفنه ويجمعنه وينظفنه ومن ثم يجلبنه لبيعه في السوق».
وهذه الأنواع من الأعشاب غير مهددة بالانقراض، ولا تضر بالبيئة وتنمو في البراري بكثافة، كما يتمتع العكوب بخصائص غذائية نادرة، كما يؤكد خبراء تغذية، ولفت إلى انه يساعد في الهضم، وهو غني بالأملاح المعدنية بخاصة البوتاس لتقوية الأعصاب وتنقية الدم، كما يحتوي على مجموعة فيتامينات مفيدة ومغذية للجسم.
ويلاحظ في بعض القرى والأرياف أن سيدات تحولن الى «متخصصات» في عمليات تجميع وتخزين وبيع «العكوب والنباتات الاخرى، فترى ان بيوتا تغمر صحونها باكياس من النباتات الربيعية تنتظر تنظيفها وتوضيبها لتخزينها او طرحها في السوق للبيع. كثيرون ينتظرون فصل الربيع لشراء هذه النباتات، التي ينحصر جنيها في هذا المؤسم الربيعي.
وتتفاوت معدلات ما تجود به الطبيعة من خيرات ونباتات «طبيعية وبرية» سنويا، فالأعوام التي يكون بها امطار الخير غزيرة، ويشهد فصل شتائها هطولا للثلوج، فانها تجود بكميات وخير وفير من نباتات وحشائش برية يفرح الآلاف من الاهالي بقطافها خلال ايام الربيع، ولا يقتصر مزايا هذه النباتات التي ترتديها جبالنا وسهولنا في فصل الربيع على «لذة مذاقها» بل تتعداه الى قيمتها الغذائية والصحية التي تتوفر في العشرات من النباتات البرية وان تفاوت معدل نموها سنويا.
ويبدأ موسم الخضار الورقية «الحشائش» ولعل اطيب مأكولاتنا ووصفات طعامنا تتضمن الخضار الورقية، ونباتات الأرض الأكثر شيوعا في آذار ذات فوائد متعددة ومنها الزعتر والميرامية، الخبيزة والرشاد والسبانخ والهندباء، وورق اللسان والجرجير والفول الأخضر.
ما يمنحنا فرصة للتقاط جمال الطبيعة الأردنية، خاصة في سهول الشمال، فمن أسراب الطيور والفراشات الجميلة، الى اعشاب وازهار، حياتها قصيرة تمتد طيلة هذا الشهر، لا أكثر، فالصيف ناشف، والشتاء قارص، ويبقى آذار، الشهر الحنون على البيئة والطبيعة، هو يستحق لقب شهر الحياة والجمال، وفي آذار نحيي على صفحات أيامه في الحادي والعشرين منه ذكرى معركة الكرامة الخالدة، التي بذلت فيها دماء طاهرة روت أرضا طهورا، وفي الحادي والعشرين من آذار كذلك نحتفل بيوم الأم، ونكرم عطاءها اللامحدود ونرد جميل ربيع ايامها التي زرعت لتعطينا حياة فضلى.