برعاية رئيس الوزراء الأسبق عبد الكريم الكباريتي، وحضور رئيس الوزراء الأسبق الدكتور عبد الرؤوف الروابدة، وقع الأستاذ محمد داودية كتابه الجديد «من الكسارة إلى الوزارة»، مساء السبت 26/3/2022، في المركز الثقافي الملكي، في حفل تحدث فيه: وزيرة الثقافة هيفاء النجار، والدكتور عمر ربيحات، والكاتب أسامة الرنتيسي، والدكتور أسامة تليلان، فيما أدار مفردات الحفل الروائي عامر طهبوب.
كلمة رئيس الوزراء الأسبق عبد الكريم الكباريتي ألقاها بالإنابة عنه عمر داودية، نجل المحتفى به وبكتابه، وجاء فيها: «كنت أود من صميم قلبي أن أكون إلى جانب رفيق العمر، السند والخل الوفي، محمد داودية، أبي عمر، في حفل إشهار رائعته وذكرياته التأملية الساحرة، التي ستحتل مكانتها بجدارة، ضمن التراث الروائي السياسي الاجتماعي والتاريخي الذي يتماهى فيه تكوين وصعود المملكة الأردنية الهاشمية، ومثل نموذج حياة للمكابدة ومواجهة وطأة التحديات والمعاناة في انصهار عجيب لعناصر التحدي الشخصي مع الوطني.
وقد حقق داودية وتألق وهو يقدم المثل والمثال الوطني السياسي الأخلاقي الوفي، والبالغ العمق مستمدا رؤيته ومسيرته بقلب مفعم بالثقة والإيمان بالقدرة على التغلب والانتصار على الأحداث مهما اشتدت وطأة آثارها.
وقوة داودية أنه لم يكتف بذلك، بل أشعل روح التحدي والإيمان في قلوب كل من زامله وعلمه وهو ينتقل معلما من مدرسة إلى أخرى في أصعب المناطق وأقلها حظا في وطننا الغالي.
كتاب داودية مؤثر وتأملي وتحريضي إلى أقصى حد، لنبذ التشاؤم وقوة البأس في وجه اليأس. لقد أبدع وتلألأ في سحره الروائي ما يستحق معه التبجيل، كيف لا وهو المعلم والإعلامي المميز فكرا وعطاء».
وقالت وزيرة الثقافة هيفاء النجار: سعيدة جدا مشاركة معالي الأخ «النشمي» محمد داودية في حفل توقيع كتابه الذي جاء بعنوان «من الكسارة إلى الوزارة».
وهو كتاب غني بالمعلومات والأفكار والعبر والدروس، وليس غريبا أن يكون الكتاب كذلك، فهو يدون حياة إنسان –لا أقول مليئة بالألم والأمل، وإنما مليئة بالعمل والأمل.
وهذا الكتاب، وإن كان سيرة ذاتية، إلا أنه لا يختزل حياة شخص، وإنما يعبر عن حياة جيل كافح وكابد، وشق الصخر لينبت وردا ويمتد نخلا ويبني وطنا.
وأستعير هنا كلمة دولة عبدالكريم الكباريتي في الإضاءة التي كتبها في غرة الكتاب، ومنها: إن «مطالعة هذه السيرة الثرية، تشكل فرصة ثمينة للتعرف أكثر وأعمق على تفاصيل بلادنا وتلاوينها وظروفها، وأحوال الأجيال الأردنية والتحديات المتلاحقة التي واجهتها».
هذه السيرة التي كتبها المؤلف بمداد قلمه، واستعادها من تلافيف ذاكرته اليقظة، جديرة أن تنقل للأجيال ونحن نعبر المئوية الثانية لتكون درسا «لا منهجيا» وإطارا ثقافيا/ تثقيفيا للأجيال، فهي «حكاية جيل مكافح عصامي، بنى وضحى وقدم، وتمثل في الوقت نفسه مقطعا عرضيا لما كان عليه شعب الأردن العربي الكبير»، وهذا طبعا الكلام للمؤلف.
هذه السيرة فيها الكثير من الحكايات، وفيها الكثير من الجوانب والمواقف الإنسانية، وكل حكاية تمثل عالما ثريا، وتشكل نبعا غنيا ملهما للروائيين الأردنيين، وتنطوي على توصيف للتحولات الاجتماعية، بعضها شهادات وأخرى لأحداث وواقع عاشها المؤلف وشارك فيها باختلاف مواقعه، كتبت بصدق وبموضوعية وجرأة، وبلغة سلسة وعذبة، واسترجاع للزمان بطريقة رشيقة، وتصوير للشخصيات التي لفرط دقة الوصف نكاد نراها متجسدة أمامنا.
هذه السيرة تلقي الضوء على حياة الإنسان الأردني المهموم بقضايا أمته، المسكون بعروبته، وهي سيرة تزخر بالقيم الوطنية التي يدونها السياسي والإعلامي والكاتب والإنسان، وهي تنشط الذاكرة لاستعادة ملامح من الماضي الذي حفر في الصخر، ليكون الوطن أجمل وأبهى.
أبارك لمعالي الأخ كتابه، وأدعو الجميع للحرص على اقتنائه وقراءته، وخصوصا كتاب السرد لما فيه من حكايات وقصص تستفز الذاكرة للكتابة الروائية، ونحن في هذه المناسبة مدعوون إلى تدوين السيرة الذاتية كجزء أصيل من فنون السرد التي تشكل جزءا من خطابنا الثقافي وسرديتنا الوطنية.
وفي قراءة نقدية لمفردات الكتاب، قال الناقد الدكتور عمر ربيحات: عنوان الكتاب يشي بنبش في حفريات الذاكرة الأردنية على مدار ستين عاما من الكفاح يتصدر ثلاثمائة صفحة من النقش الخالد في سطور الوطن، والعنوان كما هو معلوم هو العتبة الأولى التي نلج من خلالها عوالم النص إذ يشكل لافتة دعائية جاذبة مغرية للمتلقي والقراءة وعنوان أمسيتنا هذه دهش جاذب صادم إذ شكل مفارقة لغوية ضدية يقف المتلقي أمامها حائرا في ربط مكونات العنونة المحصورة بين حرفي الجر من ناحية ولفظي الكسارة والوزارة من ناحية أخرى، إذ لا ربط بينهما، وهذا ما يستوقف المتلقي لمعرفة مدلولات هذا العنوان والولوج إلى دواخل النص لاستكناه معانيه وروابط المعرفة التي عبر عنها ليجد نفسه منهمكا في سبر غور سيرة كفاحية بقالب وقع بين الرواية والسيرة.
أما الإيقاع الداخلي فيتحقق في التباعد في مخارج الحروف المكونة للعنوان بين حروف شفوية ولثوية ولهوية تسهل النطق الصوتي والإيقاعي للعنوان إلى جانب القفلة العروضية المنتهية بحرفي الراء والتاء عند التحريك والراء والهاء عند التسكين لكلمتي الكسارة والوزارة، أما على مستوى الشكل الطباعي فقد جاء الخط متعرجا متوازيا مع النوتة الموسيقية للعنوان أحدث توازيا بصريا وسمعيا لدى المتلقي.
وقال الإعلامي أسامة الرنتيسي: باسم الحب والجمال والثقافة يليق هذا الاحتفال المهيب بالمنجز الأول الذي أرجو ألا يكون الأخير في مسيرة معلم وكاتب وصحافي وسفير وبرلماني ووزير من حجم محمد داودية.
من تابع عملية ولادة «من الكسارة إلى الوزارة» يعرف حجم الأرق الذي انتاب صاحبه منذ لحظة قراره إصدار يوميات ومذكرات السيرة الذاتية.
لم أعرف ولم أسمع عن كاتب دقق وراجع وحرر منجزه مثلما فعل محمد داودية. ولا اعتقد أن كتابا بذل فيه كل هذا الجهد من التدقيق والمراجعة مثلما حصل للكتاب «من الكسارة إلى الوزارة». كان داودية ينام على مسودات الكتاب، ويفيق لإضافة فقرة جديدة أو فصل جديد أو مراجعة صفحات لم يرض عنها فيشطبها، معظم فصول الكتاب نشرت في يوميات رمضانية في صحيفة الدستور فكانت أجمل مذاقات الشهر الفضيل، كتاب ينتسب إلى الأدب السياسي الرفيع، مؤلفه ابن تجربة يسارية أيام كان اليسار في عز القه ومليئا بالعنفوان وظل غسان كنفاني بوصلة داودية فكلاهما ابنان نجيبان للفقر والحرمان واليتم وكلاهما خاض التحدي كما يليق بالفرسان والعشاق.
في حكاية داودية طعم آخر لتراب بلادنا الغالي وفيها تفاصيل عن حياتنا الطبيعية قبل التطورات الصناعية والتكنولوجية وفيها تجربة ناصعة لقيمة المعلم الذي كان بصدق بوصلة قرانا ومجتمعاتنا وحياتنا اليومية.
وقال الدكتور أسامة تليلان: أبارك لك ولنا ولمكتبتنا الوطنية هذا الإصدار المختلف المتميز بالكثير، متميز.. قدم إضافة نوعية توثق بأسلوب شيق لطبيعة حياتنا تفاعلاتها الاجتماعية وللتحولات السياسية والتقلبات الحادة في الجوار.. في محيط مضطرب يعج بالتحديات في واحدة من أهم فترات مئويتنا الأولى.
مختلف... لأنه يخزن خزعة أصيلة من ضميرنا الأردني النقي البهي، ومن قيم بلدنا واهلنا.. المروءة والنبل.. الحب والصلابة.... الجد والتعب.. الجيش والكرامة.. القدس وما تحتله من مكانة آسرة في ضمير متعب بآلام اشقائه من المحيط الى الخليج.
متميز... لأنه يقدم صورة جلية لروح أردنية إنسانية تفرد ذراعيها كسنابل القمح للملهوف وكل محب للسلام وكرامة الإنسان. مختلف... لأنه كما وصفه الأستاذ محمد المشايخ كتاب تتداخل فيه الأجناس الأدبية.. وأضيف أن أنقى ما فيه انه قدم بسطوع باهر قصة الأردن.
«من الكسارة إلى الوزارة»... رحلة ساحرة فاتنة تأخذك بنشوة تارة وبحرقة تارة أخرى.. على مركب من مفردات سلسة وعذبة والكثير في طريقين: طريق تغوص فيها في أعماق نفسك ومشاعرك المتلاطمة.. أحيانا والحميمية أحيانا أخرى.. تشعر بالحاجة إلى البكاء ثم تراك في بهجة فسيحة.. وقبل أن يدركك القنوط تفتح أبواب الأمل.. وبين الألم والأمل.. أنت في كل الحالات تسير على حبل مشدود من المشاعر الحارة.
من الكسارة إلى الوزارة... حكاية روح رفضت تكبيلها بأغلال قوتها.. وأفكار يومها.. لتتركها لغد مجهول بلا معالم بلا مسحة أمان. حكاية حملتها أحلام طفل يتيم لم ينطق في حياته كلمة أبي.. ومحيطه يملؤه الخوف..
وقال المحتفى به الأستاذ داودية: كنت شاهدا على أحداث الكتاب لذلك حرصت على أن أسجل هذه الأحداث التي اعتبرها مهمة من مثل قصة أبو هنوش وهذه قصص عالمية وليست قضية تتعلق بالغور أو هي مسألة محلية، ونحن نعرفه كأبناء المفرق، وهو مواطن فلاح بسيط يعمل بالزراعة وكان يحصد بالمنجل وأراد أن يجز جرزة من المحصول «السبل» وقرصته أفعى، في مكان منقطع حيث لا يوجد سيارات في الخمسينيات آنذاك، ولا يوجد حتى سيارات إسعاف ولا يوجد تلفونات، كان يذهب باتجاه الموت ويحس دبيب الموت في جسده من السم الذي سرى في جسده، وقام بوضع أصابعه على الصخرة وبالمنجل ضرب يده وقطع له إصبعين وخرج منهم السم والدم، وكان يقول لنا وهو يشير لنا بأصابعه المبتورة، أنظروا إلى الحلول التي استخدمها حيث ضحى بأطرافه من أجل أن يستمر الجسد، من مثل هذه القصص التي نسمد منها العبر الكثيرة في حياتنا الشخصية والعامة، وهناك من القصص العديدة التي وردت في هذا الكتاب.
وأكد داودية على انه يحترم الكتاب والكتابة إلى درجة القدسية وبإصرار من الأصدقاء على أن ألف هذا الكتاب وأنه حق للناس أن يقرأوا أحداثا وقصصا تنشر وحق المعرفة للناس، ونوه داودية إلى أنه في بداية الكتاب هناك جملة وعبارة هي «كل امرئ منا حكاية لا يجرؤ على أن يحكيها» المعنى أنه هناك قصص لا تروى وهناك أسرار سياسية وأتمنى من المهتمين أن يصححوها أو يستفيدوا منها في هذا الكتاب أحث القراء على سبر غورها. أشكر الحضور: رئيس الوزراء الروابدة والدكتور جواد العناني والوزراء الحاضرين وخاصة وزيرة الثقافة هيفاء النجار المجتهدة والنشيطة والكتاب والأدباء والإعلاميين والمثقفين والسياسيين وجميع الحضور، وأشكر دار الأهلية ناشرة الكتاب.