2024-05-15 - الأربعاء
مسؤول أمريكي يفاجئ الجميع: إسرائيل لن تنتصر في غزة ولن تستطيع تحقيق أهدافها nayrouz بعد "ضربته الجمركية" للصين.. بايدن يتوقع ردا بالمثل nayrouz عرض ساعات فاخرة لأسطورة فورمولا 1 للبيع في مزاد علني nayrouz وفيات الأردن اليوم الأربعاء 15-5-2024 nayrouz القسام تكشف عن عملية مشتركة مع سرايا القدس nayrouz الجيش الإسرائيلي: 3 فرق عسكرية تعمل في قطاع غزة nayrouz القسام تعلن السيطرة على مسيرة للاحتلال nayrouz الدويري: رسالة المقاومة .. (لا يوجد من يستطيع لوي ذراعنا) nayrouz الرمثا يتخطى شباب العقبة بثلاثية بالمحترفين nayrouz الفيصلي يعلن عن توفير راتب للفريق الأول nayrouz ابو السعود: النسبة الأكبر من فاقد المياه في الأردن بسبب السرقات المائية nayrouz وفد مشروع "تعزيز الحوار الإجتماعي" يزور إتحاد العمال nayrouz المساعد للعمليات والتدريب يزور قوة الواجب المشتركة والقيادة العليا لتمرين الأسد المتأهب 2024_صور nayrouz تنفيذي البادية الشمالية" يناقش إحتياجات المواطنين في الزعتري والمنشية nayrouz دورة تدريبية حول المشغولات الخشبية وصيانة الأثاث في مركز شباب وشابات غرب إربد nayrouz والي الخرطوم : حظر نشر أي معلومات سرية تتعلق بأمن البلاد أو بالقوات النظامية nayrouz محاضرة توعوية بيئية في لواء المزار الجنوبي nayrouz إطلاق مبادرة صيف آمن في عجلون nayrouz مركز الملك سلمان للإغاثة يوزع 500 كرفان في مخيم الزعتري nayrouz (29) لاعب ولاعبة يشاركون في تصفية منطقة غرب أسيا لكرة الطاولة المؤهلة إلى أولمبياد باريس nayrouz

راعي «اشكارة» عز الدين (1-3)

{clean_title}
نيروز الإخبارية :

عامر طهبوب


نزل الصبي مع والده صيف عام 1940 في فندق فلسطين في القدس الشريف، صالة يتوسطها «بكرج» قهوة في منقل نار، أخذ والده مكانه مع أربعة من شيوخ بدو يجلسون، سلّم على الرجال يتبادلون الحديث مع ارتشاف القهوة، وقف الصبي خلف الرجال، التفت إليه أحد الشيوخ وأفسح له بجانبه مكاناً، جلس في مواجهة والده، وكان بطبعه كثير الكلام، ربما لأنه «فكّاك خطوطٍ» في عشيرته، انطلق يُعلِّق على أحاديث الرجال، نهرَه والده وعلامات غضب على وجهه، وإذ بالشيخ جار الصبي، يمدّ إليه ذراعه مربتاً على كتفه، يقول لوالده مبتسماً: «خلّي ابن أخي يكمِّل حديثه».
مرت سنين طويلة، ورحل الشيخ، يوم أصبح الصبي من أصحاب المعالي، وعَلماً من أعلام الكلام، فرثاه في مقالة نشرتها «الدستور»، قال فيها إن الشيخ اختتم بذهابه جيلاً من بين من أسسوا دعائم في بنيان هذا البلد منذ قام أساسه في العصر الحديث»، وقال: «عاش مرفوع الرأس حتى أَهَلنا على جثمانه التراب».
الصبي هو «جمعه حماد»، صاحب رواية «بدوي في أوروبا»، والشيخ، شيخ مشايخ بني صخر، مثقال سطّام الفايز الذي قُدّر له أن يرحل قبل سقوط الضفة الغربية وقطاع غزة بأربعين يوماً بالتمام، وكأن الله قدّر له أن لا يزيد في نفسه من آلام الفقد، بعد رحيل ولده البكر «سلطان» من زوجته «شاهة بنت خازر البخيت».
كنت أقرأ كتاباً عن حياة الشيخ، ألّفه بالاشتراك، عواد صياح المبارك البخيت، وعمر محمد نزال العرموطي، بذلا فيه جهداً بحثياً شاقاً، انهمكتُ في القراءة في وقت اطّلعتُ فيه على تفاصيل زيارة الشيخ طراد محمد المسلم الفايز إلى فلسطين، قاضياً عشائرياً، ومصلحاً، متنقلاً بين عرب التعامرة في بيت لحم، والمَسالمة في الظاهرية، والهزيّل في رهَط في النَّقَب، والقيسية في يطا قضاء الخليل، وفي الخليل نفسها، وفي دواوين أهلها، وحتى نزوله ضيفاً على الشيخ كريم الجاروشي في الرملة، وحفاوة حظي بها وصحبه من أهل فلسطين كلها، يقول: «جئتُ لتوحيد الصف، وأن هذا الاستقبال وسام على صدري». تأثرت وأنا أسمع أن الشيخ طراد قد «خَلّف» على عشيرة الكفراوي، لإقامة وليمة الطّْيْب بين الطرفين المتنازعين في الخليل، وأن «الكفراوية» هم من أصول عشيرة بني صخر، لكن الوليمة لم تقم بسبب تعنت أحد طرفي الصراع ورفضه الصلح، فلم يجد الشيخ طراد مخرجاً للحل سوى التحكيم .
أخذت أتفكر في حدث أيقظ فيّ الشعور بدور القبيلة كمكون اجتماعي، في رحلة قتال ونضال من أجل الوحدة والحفاظ على التراب، أخذت أستزيد في نبش أوراق الماضي، واستحضار أبطاله، وشهداء عشائر أردنية بذلوا أرواحهم فداء لفلسطين، أعادني طراد إلى مثقال، كما يعيدك الماجد إلى الخالد، والندى إلى الماء، والحاضر إلى الماضي، كما يعيدك القريب إلى البعيد، وكما يعود السيف إلى الغِمد، كما يستند البيت إلى العَمَد، وإلى «أم العَمَد».
خطاب وحدوي مفعم بالحب، أعادني إلى مثقال الفايز، كيف انتقل إلى فلسطين لإصلاح ذات البين، كيف حمى ثوار فلسطين في أم العمد عام 1936 من أيدي الجنود البريطانيين، وكيف اشتكى الإنجليز إلى الأمير عبد الله - الملك فيما بعد - من فعل شيخ حر، رفض التخلي عن إخوة أجارهم، وعن دوره الوطني في تزويدهم بالمال والمؤن والسلاح، أبعاد جليلة على جيل جديد أن يعرفها، ويتلمس طريقه مرة أخرى نحو المعرفة، معرفة تضحيات قدّمها جيل من بينه قادة وطنيون لا يقرأون ولا يكتبون، بوصلتهم فطرتهم، وقيمهم العربية الأصيلة؛ مصدر حكمتهم وإلهامهم. معرفة قيمة أردن نختلف من أجله، ولا نختلف عليه، لا نغامر في مستقبله، ولا نُقامر، ومعرفة أن نهر الأردن المقدس، رمز جمعٍ لا فصل، وأننا وارثين منجزات عرق جيل مضى، وتضحيات مؤسسين بذلوا الدم من أجل الحفاظ على التراب والوحدة.
غزا مثقال يوم كان الغزو قيمة اجتماعية، حتى أنه غزا أخواله من «الرولة»، بعد أن غزو عشيرته. قاد فرسانه ومقاتليه، ولحق بالركب في سيارته إلى الحدود العراقية، غزوة أُطلق عليها تاريخياً «غزوة الحنتور»، حارب على فرسه، وعاد ورَبعه غانمين، وفي آب 1922، أي في مثل هذا الشهر قبل مائة عام، قرعت في عمان طبول، وصاح نذير، أن الوهابيين أغاروا على مضارب بني صخر وقراها، سيّرت الحكومة عسكرا، ذلك بعد عام واحد فقط من قدوم الأمير عبد الله وتأسيسه الإمارة، ولحق الأهالي بعسكر الحكومة، ودام القتال من فجر الثلاثاء إلى ضحى الأربعاء، أبلى في المعركة الرجال بلاء حسناً، وهو ما ذكره منيب الماضي، وسليمان الموسى، في كتاب «تاريخ الأردن في القرن العشرين»، وأن من قاد عشائر بني صخر كان مثقال الفايز، وحديثة الخريشا.
وفي صباح يوم الخميس الرابع عشر من آب 1924، باغت غزاة أهالي قرى اللبّن، والطنيب، والقسطل، وأم العمد، وتمكن «ابن نهيّر» من احتلال القرى، ونصب خيمةً في أم العمد، نهب الوهابيون يومها «اليادودة»، وتجمّعت العشائر من بني صخر، والبلقاء من «الحديد»، وبني حسن، والعدوان، والعجارمة، وعبّاد، وبني حميدة، وحّدت صفوفها وصدّت الهجوم.
استبسل في المعركة رجالات من «الحويطات» بقيادة الشيخ حمادة، ابن أخ الشيخ عودة أبو تايه، واستشهد في القتال، أظهر الشيخ درداح بن بخيت وجماعته بطولة كبيرة، كانوا أول من تصدوا للهجمة قبل وصول «النجدات»، لكن «أبو سلطان» لم يكن في المعركة، بسبب وجوده برفقة الأمير لأداء فريضة الحج، وصل في اليوم التالي للمعركة. الهدف من الغزوتين كان احتلال عمان، وتم اختيار آب موعداً، بفارق سنتين بين الأولى والثانية، بسبب وجود رجالات البادية في «المقيض»، بعيداً عن حرارة الشمس، يقضون أياماً يُطلِق عليها البدو «الرحيل والنزيل»، يجتنبون التنقل، ويقتربون من مصادر المياه.