من منّا لم يتعجب يوما من جمال السماء الزرقاء في يوم مشمس صحو ويتساءل لماذا تبدو السماء الزرقاء؟ وهل تبدو زرقاء في الكواكب الأخرى كما هو الحال في كوكب الأرض؟
لقد ساد اعتقاد بين الكثير من الناس أن السماء تبدو زرقاء لأن ضوء الشمس ينعكس على سطح المحيط ويعود إلى السماء. ولكن السماء تبدو زرقاء وسط الحقول الخضراء بعيدا عن البحر. وثمة اعتقاد آخر مفاده أن مصدر زرقة السماء هو قطرات المياه في الغلاف الجوي. ولكن السماء تبدو زرقاء في المناطق شديدة الجفاف كالصحراء. فما المصدر الحقيقي للون الأزرق؟
قد تكمن الإجابة في مصدر الضوء في مجموعتنا الشمسية، أو بالأحرى الشمس. فضوء الشمس قد يبدو أبيض، ولكنه في الحقيقة يتألف من طيف من الألوان المختلفة، بدءا من الأحمر وصولا إلى البنفسجي. ولكن الطريقة التي يتفاعل بها ضوء الشمس مع الغلاف الجوي تجعل السماء تبدو زرقاء.
ينتقل الضوء في صورة موجات، ولكل لون من ألوان الطيف طول موجي محدد. فبينما يمتلك الضوء الأحمر أطول الأطوال الموجية، فإن الضوءين الأزرق والبنفسجي لهما أطوال موجية أقصر بكثير.
ويتفاعل الضوء بطرق مختلفة مع المواد التي يمر خلالها في طريقه إلى الأرض. فإذا مر ضوء الشمس مثلا عبر مادة شفافة، كالماء، تنكسر موجات الضوء، لأن سرعة الضوء تتغير كلما انتقل من وسط (مثل الهواء) إلى آخر (مثل الماء). وفي حين أن بعض المواد، مثل المرايا تعكس الضوء في اتجاه واحد، فإن ثمة مواد أخرى تشتته في اتجاهات عديدة.
لماذا نرى السماء زرقاء؟
عندما يصل ضوء الشمس إلى الغلاف الجوي للأرض، يتشتت أو ينحرف، بفعل جزيئات الغاز الدقيقة في الهواء، الذي يغلب عليه النتروجين والأكسجين. ويعتمد تشتت الضوء في الغلاف الجوي على الطول الموجي للضوء وحجم المادة التي تشتته، فيما يسمى بـ"تشتت رايلي"، نسبة إلى اللورد رايلي، عالم الفيزياء البريطاني الذي اكتشفها. ويُعرف تشتت رايلي بأنه تبعثر الضوء أو الإشعاع الكهرومغناطيسي بفعل جسيمات يعادل نصف قطرها عُشر الطول الموجي للإشعاع وتعد جزئيات الغاز في الهواء، مثل الهيدروجين الذي يشكل 78% من الغلاف الجوي، أصغر بنحو ألف مرة من الطول الموجي للضوء المرئي. وتمتص جزيئات الأكسجين والنتروجين في الطبقة السفلى من الغلاف الجوي الأطوال الموجية الأقصر، كالأزرق والبنفسجي، وتشتتها في جميع الاتجاهات، بينما يمر الأحمر ذو الطول الموجي الأطول إلى الأرض.
لكن السماء في منتصف النهار تبدو زرقاء لا بنفسجية، لأن أعيننا أكثر حساسية للون الأزرق، ولأن الضوء البنفسجي تمتصه جزيئات الغاز في الهواء في الطبقات العلوية من الغلاف الجوي. ويطغى الضوء الأزرق على النجوم، إلى درجة أننا لا نراها صباحا.
وإذا نظرنا إلى السماء بعيدا عن الشمس، تشتت الجزيئات الدقيقة الضوء الأزرق المنتقل من السماء في صورة موجات عبر الغلاف الجوي، نحو أعيننا لنراها زرقاء.