نيروز الإخبارية : ما تزال أزمة الحجاب أزمة العصر الحديث، بين من يدعمون الفكر الليبرالي والعلماني والحرية الفكرية، وبين من يلتزمون بتعاليم الإسلام وشريعته السمحاء، من خلال المفكرين وعلماء الدين (الأزهر).
سؤال ورد لدار الإفتاء المصرية عن الحدود الخاصة بحجاب الزوجة ومسؤولية زوجها لها، وما هو حكم الزوجة التي ترفض الحجاب؟، وهل يقع عليها ذنب لتركه؟.
وأجابت دار الإفتاء المصرية بأن الزوج كما هو مسؤول عن رعاية مصالح أهل بيته الدنيوية، فهو مسؤول أيضا عن رعاية مصالحهم الدينية.
وأشارت فتوى دار الإفتاء إلى أن الله تعالى أمر الزوجات بطاعة أزواجهن في نهيهم عن معصيته، باللين والحسنى والإرشاد وتوفير السبل لهم لتحقيق ذلك.
وأضاف بيان الإفتاء أن الحجاب هو حق أصيل من حقوق الله يجب على كل امرأة مسلمة القيام به، فإن لم تفعل وجب على الزوج أن يأمرها به، ويتلطف معها بالنصح ويذكرها بفرضيته ويحثها عليه.
وأكدت دار الإفتاء على أنه لا يجوز للزوج أن يؤذي زوجته نفسيًّا ولا بدنيًّا لإجبارها على ارتداء الحجاب؛ لأن الله تعالى لم يأمر أحدًا أن يجبر الناس على طاعته، بل أمر بالأمر بها على جهة التذكير والحث، فإن قام الزوج بذلك فلا إثم عليه في تركها الحجاب.
شرح الفتوى كما وردت عن دار الإفتاء
كلف الله تعالى الزوج برعاية مصالح أهله، وذلك بما يدفع عنهم الضرر في الأبدان والأديان.
فعن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا» متفق عليه.
قال العلامة ابن بطال في "شرح صحيح البخاري" (7/ 322، ط. مكتبة الرشد): [كل من جعله الله أمينًا على شيء، فواجب عليه أداء النصيحة فيه، وبذل الجهد في حفظه ورعايته؛ لأنه لا يسأل عن رعيته إلا من يلزمه القيام بالنظر لها وصلاح أمرها] اهـ.
وقد أناط الشرع الشريف بالرجل رعاية مصالح أهله بقدر وسعه ومستطاعه:
فأما في رعاية مصالح البدن: فقد أمره الله تعالى بالنفقة بما يسد حاجتهم من مسكن وملبس ومأكل وعلاج دون أن يكلفه في ذلك فوق طاقته؛ قال تعالى: ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللهُ لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا﴾ [الطلاق: 7].
وأما في رعاية مصالح الأديان: فقد كلفه الله تعالى أن يأمرهم بالطاعات وإقامة العبادات وينهاهم عن القبائح والمحرمات، بالنصح والتعليم لهم والصبر عليهم مع مداومة الإرشاد؛ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ [التحريم: 6].
فروى ابن وهب في "تفسير القرآن" من "الجامع" عن زيد بن أسلم: أن أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما أُنزِلَتْ هذه الآية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ قالوا: يا رسول الله، لقد أوقينا أنفسنا، فكيف بأهلينا؟ قال: «تَأمُرُونَهُمْ بِطَاعَةِ الله، وَتَنْهوهُمْ عَنْ مَعَاصِي الله».
والحجاب فريضة على كل امرأة مسلمة عاقلة، ويتحقق بأن تلبس ما يستر كلَّ جسمها ما عدا وجهَها وكفيها؛ أيًّا ما كانت هذه الملابس؛ بحيث لا تصف ولا تكشف ولا تشف؛ امتثالًا لقوله تعالى: ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾ [النور: 31].
وعن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يَا أَسْمَاءُ، إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا بَلَغَتِ الْمَحِيضَ لَمْ تَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إِلَّا هَذَا وَهَذَا» وأشار إلى وجهه وَكَفَّيْهِ. أخرجه أبو داود في "سننه"، والطبراني في "مسند الشاميين"، وابن عدي في "الكامل"، والبيهقي في "السنن الكبرى" و"الآداب" و"شعب الإيمان".
فإن لم تكن الزوجة ترتدي الحجاب الشرعي فإن مسؤولية الأمر به والحث عليه داخلة في نطاق مسؤولية زوجها عنها في رعاية مصالحها الدينية، ويجب عليه حينئذ أمرُها به، أمرَ إرشادٍ وترغيب، لا أمرَ إجبارٍ وترهيب.