يصف مهدي حنّا كتابه الصادر حديثًا "زرت فلسطين" بأنه "قراءة جديدة للتاريخ الفلسطيني الحديث". ويسرد فيه تفاصيل زيارته لوطنه فلسطين بعد غياب امتدَّ لسبعة وثلاثين عاما.
وجاء الكتاب الصادر عن "الآن ناشرون وموزعون في الأردن" في 230 صفحة من القطع الكبير، وتجري وقائع الزيارة المذكورة فيه خلال العام 2021، وفيها انطلق حديث الكاتب من مدينة القدس مسقط رأسه فتناول عروبتها وملفها الشائك. ثم انتقل إلى بلدة الطيبة الواقعة شرق مدينة رام الله وتعود إليها أصوله، فتحدث عن الريف الفلسطيني، وعن الصراع الذي يخوضه الفلاحون مع سلطة الاحتلال التي لا تدخر جهدا في وضع العراقيل في طريقهم.
وتناول الكتاب خلال ذلك واقع الحياة الاجتماعية في فلسطين وارتباط الفلسطينيين بأرضهم رغم الواقع المرير الذي يعيشونه. وشملت جولته كذلك مدن الساحل الفلسطيني، وتلك الواقعة داخل الخط الأخضر، وتطرق إلى النضال الوطني الفلسطيني في مقاومة المحتل، وجسَّ هموم الشباب الفلسطيني وطاقاته الملتهبة في نضاله ضد الاحتلال.
وبيَّن أن كتابه هذا "لا يندرج تحت المصنفات البيبلوغرافية (المذكرات الشخصية)، بل يتطرق إلى الكثير من المشاهد الحية التي لم تفارق مخيلتي عندما زرت فلسطين شابًّا يافعًا بتصريح من الاحتلال في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، وأعدتُ الكّرة بعد ذلك بسنوات كثيرة".
ويرى الأديب الفلسطيني محمود شقير في كلمة خاصة بالكتاب وُضعت على غلافه أن الكاتب الذي كان من أوائل المبعدين الفلسطينيين إلى الأردن قدّم كتابه هذا بلغة سهلة سلسة، وجعل فيه: "عرضا للتَّطوّرات التي أصابت القرية الفلسطينيّة وجعلتها بعيدة عن الزّراعة وعن طابعها القرويّ الزّراعيّ السَّابق، وحديثا مُسهبا عن الاقتصاد الفلسطينيّ في ظلّ الاحتلال، وعن التَّطوّرات السياسيّة والقوى والأحزاب، ممّا يجعلنا أمام كتاب يجمع بين أدب الرّحلة، وسيرة الأمكنة، والبحث في الاقتصاد والسّياسة والاجتماع".
ويصف الكاتب اللحظات الأولى لوصوله إلى فلسطين قائلا: "كان في استقبالنا عدد من الأقارب، وكلهم أُعزهم وأُكن لهم جزيل الاحترام والتقدير. حين خرجنا من البوابة الرئيسية بعد استلام الحقائب، إذا بفلنتينا أخت زوجتي تفاجئني بالكوفية الفلسطينية التي لفَّتها حول رقبتي بلونيها الأبيض والأسود مرحّبة بي في فلسطين. شعرت حينها بالزهو والفرح لأنني على أرض فلسطين".
وقرن الكاتب فرحه هذا بفرح أبيه الذي ناضل في سبيل وطنه حتى أُبعد عنه قسرا من قِبل سلطات الاحتلال، فخاض معركة قضائية مع المحتل وربحها بعد ثلاثين عاما، فأُلغي قرار إبعاده في العام 1998، وعاد إلى مدينة القدس برفقة زوجته، وعاش فيها حتى وفاته بعد عامين من عودته.
وفي خاتمة الكتاب بين المؤلف أن زيارته هذه لفلسطين التاريخية كانت "مختلفة كليًّا عن الزيارات السابقة التي زرتها فيها في طفولتي، فقد حاولت النظر إلى فلسطين من منظار آخر، واجتهدت في فهم التغيرات التي طرأت على المجتمع الفلسطيني في ظل الاحتلال البغيض، بين ماضٍ قاسٍ لم ينقض بويلاته وآلامه بعد، وحاضر شائك وواعد بمستقبل أفضل.. كما حاولت قراءة الواقع بموضوعية والاجتهاد في استقراء المستقبل المنظور في ما يخص وجود دولة الاحتلال غير الشرعية، ومعرفة مدى استمراريتها وديمومتها بناءً على واقعها والصراعات الداخلية والتناقضات المتعددة والبراكين الخامدة التي ترقد فوقها، وسبل إثارتها لتتفجر من جديد ويتفجر معها البنيان الهش لهذه الدولة الزائلة".
ومن الجدير ذكره أن مهدي حنا من مواليد مدينة القدس عام 1966، وهو حاصل على شهادة الماجستير في الهندسة المدنية من الاتحاد السوفييتي، ويعمل في مجال الهندسة المدنية في العديد من الدول العربية والأجنبية.
وصدر له قبل هذا الكتاب عن الناشر نفسه: "الذكاء الاصطناعي والصراع الإمبريالي" 2020. كما صدر له: "الشعبوية بين هوجو تشافيز وجمال عبد الناصر" 2011، و"الفقر صناعة الرأسمالية.. عالم متبدل وآفاق واعدة" 2016.