مع دخول المملكة الأردنية المئوية الثانية ، ورغم التحديات والصراعات التي واجهته منذ مرحلة التأسيس ، وما نشهده حاليا من اضطرابات ساخنة وأزمات متتالية تعصف بنا من هنا وهناك إلا أن بعزم ابناءه وعماله ورجالاته ، وحكمة قيادته كان يخرج أكثر قوة وتماسكا ، وكلنا فخر أن نتغنى بالإنجازات التي تحققت في المئوية الأولى وعلينا أن نعظم هذه الإنجازات ونبني عليها ونعمل على معالجة الاختلالات وإزالة التشوهات في القضايا الأخرى ، وتحديدا بما يتعلق بقضايا المرأة في الحياة السياسية وانخراطها في العمل الحزبي وتوليها المناصب القيادية.
عانت المرأة – تاريخياً – من التناقضات الكبيرة في المجتمعات الإنسانية والتي ساهمت في تدني مشاركتها في الحياة العامة، ويرى علماء الاجتماع بأن البناء الاجتماعي والثقافة للمجتمع هما محددان اساسيان للسلوك الإنساني بشكل عام وسلوك المرأة بشكل خاص، وتعني الثقافة منظومة القيم والمعتقدات والمعايير والقوانين التي يشترك فيها افراد المجتمع والتي توجه تفكيرهم وسلوكهم.
ثمة اتفاقيات دولية عدة تضمن حق المرأة في المشاركة في الحياة السياسية ، كذلك مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية ، التي ساهمت على تهيئة البيئة التشريعية والسياسية الضامنة لدور المرأة والشباب في الحياة العامة وفق تدرج زمني وصولا إلى النضج الديمقراطي ، ولكن إخراج ذلك الحق من إطاره التجريدي إلى الواقع المعاش يتطلب عمل دؤوباً على أرض الواقع. وتلعب الآحزاب السياسية دورا رئيسياً في تحفيز مشاركة المرأة في الحياة وتعزيز دورها الريادي في الحياة السياسية، إذ أن الأحزاب السياسية هي التي تقوم بتجنيد المرشحين للأنتخابات واختيارهم، وهي التي تحدد جدول أعمال السياسات داخل البلد.
إذأ امام هذا الاستحقاق التشريعي نحن بأمس الحاجة للتغيير في ترسيخ مفهوم الثقافة الحزبية لضمان مشاركة المرأة مشاركة حقيقية ، ولا نرسخ مقولة " التشريع يسمع والثقافة تمنع" وأنا أرى أن الوقت حان للتغيير والفرصة جاءت على طبق من ذهب ، وذلك بالمباركة الملكية لهذا التحول الديمقراطي واحترام حقوق الانسان والمفهوم الصحيح للمواطنة.
ويجب أن تبدأ التهيئة لقيادة واعدة وصحيحة للمرأة بالتنشئة السياسية داخل الأسرة وفي المؤسسات العامة والخاصة، وذلك بإسقاط جميع أشكال التمييز ضد المرأة، والعمل على تفعيل تلك الاتفاقيات الدولية والتشريعات الوطنية التي تزيل كافة أشكال التمييز وبناء ثقافة حزبية حقيقة في أوساط المجتمع. في ظل مؤسسات حامية للديمقراطية وللمجتمع المدني والحريات والحقوق، باعتبار أن مؤسسات المجتمع المدني أحد آليات التدريب السياسي للمرأة.
والتحدي الأكبر الذي يواجه العمل الحزبي هو بناء ثقافة حزبية ، وإعادة الثقة ما بين المواطن وما بين أصحاب القرار والحكومات..
القوانين وحدها لا تكفي لبناء أحزاب قوية ، ولا بأعداد المنتسبين للأحزاب ورقياً ـ ما يهمنا هو هضم مفهوم العمل الحزبي وبيان أهميته ودوره ، والاعتراف والايمان بأن لا مجتمع سليم بدون أحزاب ، ولا أحزاب صحيحة دون تمثيل للمرأة .
هناك تساؤل يثير جدلاً قوياً بين أوساط عامة الناس_ هل نبدأ بعملية الإصلاح الاقتصادي أولا أم الإصلاح السياسي أم الاثنين معاً ، في حقيقة الأمر أن منظومة الإصلاح هي عملية متكاملة ومتناغمة ومتسقة مع بعضها البعض .. نعم أتفق مع القارىء أن الأحزاب لا تشبع المواطن الذي يعاني من الفقر والبطالة وضنك العيش بل لا تعنيه ابداً ، بالوقت الذي يؤكد العديد من الساسة والمثقفين بأن لا إصلاح اقتصادي بمنأى عن الإصلاح السياسي بوجود أحزاب قوية قادرة على بناء الثقة للمواطن وتعزيز روح المواطنة ، وتحقيق العدالة ، والمساواة ، واحترام التنوع والاختلاف ، وقيم تكافؤ الفرص ، والتنمية المستدامة ، وتحصين مقدرات الوطن ، ومحاربة الفساد وتقديم المصالح العامة عن المصالح الشخصية ، واحترام المنبر الإعلامي الحر.
وجب أن لا نضيع الفرص وأن لا تقف المرأة مكتوفة اليدين ، وتثق بنفسها وبقدراتها ، صانعة التغيير وقادرة على الاسهام في بناء المسيرة الديمقراطية وتحسين الإنتاجية ، والقضاء على الصورة النمطية التي رسمها لها المجتمع بثقافاته البالية وبعض المناهضين لحرية المرأة .. نحن نصف المجتمع ونلد ونربي النصف الآخر.