يطرح جهاد محمد في روايته "الموت الحرام" قضية الأشخاص الذين يعيشون بدون جنسية، ويُطلَق عليهم لقب الـ"بدون"، ويوجه الأنظار إلى تفاصيل الصعوبات التي تواجههم في حياتهم اليومية على الصعد كافة.
وجاءت الرواية الصادرة عن "الآن ناشرون وموزعون" في الأردن في 178 صفحة من القطع المتوسط، وتميزت بواقعية أحداثها التي تحركت خلالها الشخصيات ضمن فضاءات البيت والشارع ومكان العمل والمستشفى، وغيرها من الأماكن التي تشكل المسرح الطبيعي للأحداث اليومية.
كما أنها ارتكزت إلى مبررات نفسية، فغرقت بطلة الرواية (بتلة) في مرض نفسي جعلها تخلط بين الواقع والخيال، وتقع نتيجة ذلك ضحية للحبيب الذي استغلها أبشع استغلال، وللعائلة التي ألقت بها في مصحة، وللمجتمع الذي وصمها بالجنون، وأخيرا بالدولة التي لم تمكنها من نيل حقوقها الإنسانية البسيطة بسبب وصمة الـ"بدون" التي لاحقتها في كل مرحلة من مراحل حياتها.
ووجه الكاتب في عتبة الإهداء من مجموعة من الرسائل التي خاطب فيها الوطن قائلا: "قل لي من حوَّلك إلى مشانق؟!"، وخاطب بها كذلك روح طفل "سُحق في شوارع البلاد وهو يبيع الورد ليعيش: باعك الورد هذه المرة يا جرَّاح واشتراك الله"..
تقول بطلة الرواية في إحدى الفقرات عن نفسها: "غرس بي عدم الاستقرار أن لا أكون وفية للأماكن، علمني أيضا أعيش غيري إذا ما شحت الوجوه الجديدة في حياتي، بت أتلهف لاستنشاق روائح من سكنوا البيوت قبلنا، بل أكثر من هذا، كنت أميز عدد أطفالهم من الخطوط التي رسموها على الجدران، عدد الفتيات من بقايا مساحيق التجميل".
وتصف في مقطع آخر ظروف موت شقيقها الذي قرر الانتحار هربًا من الواقع المأساوي الظالم الذي كان يعيشه:
«دفنوه في عيد استقلال الوطن وتحريره، أطال الشيخ الذي صلى على جثمانه الدعاء له، سمعته وهو يقول للمصلين إن هذا الشاب بحاجة إلى دعائهم، وكأن المتراصين في صلاتهم أمام جثمانه الوحيد –الوحيد تماما- قد تطهروا من ذنوبهم شتى. وما علموا جميعهم أن هذا الوطن أحوج من أخي إلى دعائهم..
انعتق أخيرا من تنمّر الناس عليه، ابن التي تفترش وبناتها أرصفة المقابر، أو أنه تحرر من «قرينة الجنسية» التي ألصقوها ببطاقته الأمنية، من عزله عن زملاء صفه بالمدرسة لعدم دفعه رسوم «الشريحة الدراسية»، من الازدحام الذي كان سيواجهه وهو يهم بصعود قطار حل قضية البدون».
وتنقل جانبا من واقع المرأة الـ"بدون" قائلة: «كأن حديث الحقوق النسوية ماهو إلا ترف في حياتنا، فأن تكون «بدون» فهذا يعني أن السكن والغذاء يأتيان أولا وقبل كل شيء، فما تورم وجهها سوى ضريبة تدفعها كي يكون لها سقف يصد عنها حرارة الشمس أو حيطان تحميها من العراء، تعنيفها هو دفعة متأخرة لفتاة «بدون»، ظفرت بفرصة زواج بين مئات أصبحن عانسات، أو أنها عربون مقدم لأمومة منتظرة».
ومالت لغة الرواية إلى الأسلوب الشاعري في كثير من مقاطعها، وهو ما يناسب الطبيعة الوجدانية التي كانت تتحدث بها بطلة الرواية، ويجعل القارئ أقرب إلى معاناة الشخصيات وآلامها..