تعود بي الذاكرة لعام 1985 أثناء دراستي لمرحلة البكالوريوس في الجامعة الأردنية، حيث كان الراحل الاستاذ الدكتور عبد السلام المجالي رئيساً للجامعة. ولا زلت أذكر خطواته الهادئة أثناء جولاته التفقدية اليومية بشكل (منفرد ومقصود) في شوارع الجامعة الأردنية، والتي كانت تؤسس في داخلي معنى المثابرة والقيادة الحكيمة. لا زلت أذكر ملامح وجهه رحمه الله، ملامح تحمل في ثناياها جدية وحزم، لكنها بالتأكيد تخفي عطف الأب، وحمكة القائد الذي كان يشكل القدوة، فيرسل الرسائل الأخلاقية دون أن يتفوه بأي كلمة؛ لقد كان يتكلم بعينيه حين يحدق في الطالب الذي يرتكب أي خطأ، بل وأكثر من ذلك؛ يتصرف التصرف الحكيم، كأن يقوم بالتقاط ورقة أو منديل رماه أحد الطلبة في أحد شوارع الجامعة ليحملها بيده ويضعها في سلة المهملات.
ومرت السنين، واستمر الدكتور عبد السلام المجالي بالعطاء في كل الأماكن التي خدم بها، كان سياسياً فذاً، وقائداً رصيناً. وكان لي الشرف الإلتقاء بالدكتور عبد السلام وزوجته خلال حفل تكريمه في مؤسسة شومان عام 2018 ، ولمست جزالة حضوره، وتواضع إنسانيته، وسألت نفسي فيما إذا أنصفه الحدث في استعراض اسهاماته في تعزيز دور الشباب والمرأة في المجتمع.
وحظيت بشرف المشاركة في تنظيم فعالية استضافت فيها جامعة فيلادلفيا (التي اتشرف بالعمل فيها) دولة الدكتور عبد السلام المجالي في لقاء حواري تفاعلي مع الشباب، حيث استعرض الدكتور عبد السلام مراحل حياته من مراحل دراسته كطالب، ومن ثم في القوات المسلحة كطبيب، ومن ثم تقلده لمنصب رئيس الوزراء، ولم يبخل على طلبة الجامعة بالنصح والتوجيه.
لقد كان لي الشرف في السنوات الأخيرة التعرف أكثر على الدكتور عبد السلام المجالي في جمعية الشؤون الدولية التي كان يرأسها، والتي كان يحرص فيها على مناقشة هموم الوطن، عرفته عن قرب، ولمست فيه قيمة الإنسان الذي يحترم تاريخه، ويختزل وجدان ماضيه بكلمات كانت وستبقى في داخلي دافعاً للعطاء.
لقد كان الدكتور عبد السلام المجالي رمزاً لمفهوم السلام في منطقة الشرق الأوسط، فقد كان يقود مفاوضات السلام بحكمة وحنكة أساسها وطنيته، وأبعادها مصلحة الوطن والإقليم، وجوهرها توجيهات جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال. يقول محمود درويش (قُلْ للغياب: نَقَصْتَني
وأَنا حضرتُ... لأُكْملَكْ). الدكتور عبد السلام المجالي، رحلت بجسدك، وبقيت حياً فينا.