يصعب على المؤرخين وصف شخصية فلاديمير لينين دون الانصياع لتقديسه؛ متأثرين بالتقدير الذي منحه إياه كُتاب سيرته الذاتية وتلاميذه.
وحيث طغت صورة "الزعيم السوفيتي” على "الإنسان” فلاديمير، لكنه وخارج حياته المملوءة بالحروب، ظل "أب الثورة” شخصاً اعتيادياً له محاسنه ونقائصه.
التقى الكاتب ألكسندر كوبرين بالزعيم السوفيتي عام 1919، حيث كان الأخير أصلعاً، فكتب ألكس: لم يتبق شيئاً من شعر لينين سوى خطاً يصل بين صدغيه. لحيته وشاربه يشيران حتماً أنه كان أصهباً في شبابه. لديه مشية غريبة: يتنقل من جانب إلى آخر كما لو كان يعرج بكلتا ساقيه.
"قصير القامة، قوي البنية، ذو ملامح غير منتظمة وقبيحة: أذنان صغيرتان، أنف قصير عريض ومسطّح قليلاً، فم كبير مع أسنان صفراء متباعدة.” هكذا وصف ألكسندر نعوموف، زميل مقاعد الدراسة، فلاديمير. مضيفاً: مع ذلك، فعند الحديث مع فلاديمير، يبدأ مظهره الذي لا يوصف وكأنه يتلاشى خلف عيون صغيرة ولكنها مذهلة، متألقة بذكاء وطاقة رائعين.”
لم يحب ألكسندر نعوموف، الذي أصبح وزيراً في الحكومة القيصرية الأخيرة، مواطنه لينين، لكنه أدرك القدرات الفكرية الاستثنائية للزعيم الشيوعي المستقبلي.
يتذكر نعوموف طفولة زميله فلاديمير قائلاً: كان يتمتع بقدرات استثنائية للغاية، ذاكرة رهيبة وفضول علمي لا ينضب، كان موسوعة متنقلة. لم يحب يوماً اللعب مع أقرانه، حيث ابتعد عن اللهو وفضل إيلاء جل اهتمامه بالدراسة.
التحق فلاديمير لينين بجامعة قازان قبل أن يُطرد منها بسبب أنشطته الثورية. ومع ذلك، حصل على شهادته في القانون وعمل كمحام لبعض الوقت. ظل عقل لينين قوياً طوال حياته، فقد اشتهر، على سبيل المثال، بقدرته على حفظ صفحة من الكتاب بعد النظر إليها لمرة واحدة فقط.
كان فلاديمير صياداً شغوفاً، فأثناء تواجده في المنفى بسيبيريا، اصطاد الطيور والأرانب البرية مع زوجته ناديجدا كروبسكايا. ومع ذلك، لم يكن مطلق نار جيد.
لطالما ركب لينين دراجات هوائية، حتى أنه تعرض لحوادث كثيرة. عام 1909، اصطدمت سيارة رولز رويس بدراجته حيث كان يمكث في فرنسا، لكنه تمكن من النجاة، فرفع دعوى قضائية ضد مالك السيارة، وحصل على تعويض بقيمة 230 روبل روسي، وهو مبلغ سمح له بشراء دراجة جديدة مقابل 140 روبل.
وفي السياق ذاته، كان لينين من محبي الرحلات الطويلة على متن الدراجة، حيث كتب مساعده جورجي زينوفييف: كان يأخذنا على دراجات لمسافة(60-70 كم) لمجرد السير على ضفة نهر خلاب، وكان هناك شرط واحد صارم خلال هذه الرحلات: لا للمناقشات السياسية! يؤكد جورجي.
ظل لينين يتمتع بصحة جيدة طوال حياته، مع أنه لم يهتم يوماً بنظامه الغذائي ولم يتردد في تناول الأطعمة البسيطة، فخلال سنواته الأولى من الهجرة، لم يكن بمقدوره تحمل تكاليف الأكل إلا مرة واحدة في اليوم. وخلال إقامته في لندن، وجد أنه من الأرخص تناول الطعام في الحانات – البيض ولحم الخنزير المقدد والبيرة.
بعد الثورة، وأثناء إقامته في الكرملين، تم توظيف الطهاة لإعداد الطعام له، فأحب لينين الفطر والباذنجان والفطائر وستروغونوف لحم البقر.
أحب لينين الشاي كثيراً لأنه حسن قدراته الفكرية وساعده على السهر والعمل الجاد، إذ اعتبر هذا المشروب "استراتيجياً”، فكان أحد المراسيم الأولى للبلاشفة، والتي تم إقرارها في عام 1918، هو مصادرة جميع احتياطيات الشاي الروسية لصالح الدولة.
فوضى مزاجية
يتذكر كل من عرف فلاديمير تقلبات مزاجه. "في لحظة ما، يكون مبتهجاً، يضحك بشكل هستيري كالطفل، يطلق النكات حد سيل دموعه. وفي اللحظة التالية، يصبح سوداوياً صارماً يقذف جمل قصيرة وحادة”. يقول شقيق لينين، ديمتري أوليانوف.
هناك العديد من الروايات التي تشير إلى أن نبرة صوت لينين كانت لاذعة إلى حد ما، فكتب ألكسندر كوبرين أن مداخلات فلاديمير كانت دائماً بنبرة ساخرة ومتعالية ورافضة، كما كان كتوماً للغاية وبارداً في الصداقات.
"لم يكن صديقاً لأي شخص، ولا أتذكر أنه سمح لنفسه يوماً بأن يكون قريباً وصريحاً معي”. كتب ناعوموف.
إلى جانب الرياضة المنزلية والبلياردو، لم يكن لدى لينين سوى هوايتين: الموسيقى والشطرنج.
درس لينين البيانو عندما كان طفلاً، لكنه توقف عن تعلمه معتبراً أن الآلات الموسيقية هواية «الفتيات». لكنه أحب الاستماع إليها. "لطالما غنى فلاديمير مع أخته أولغا إلينيتشنا، حيث كانت تعزف البيانو وتغني بصوت جميل”. يتذكر شقيقه ديمتري.
كان بيتهوفن وفاغنر مؤلفي لينين المفضلين، كما أحب شوبرت وتشوبان وليزت. ومع ذلك، كان لديه تحفظات على هذه الهواية. كما اعتاد أن يقول، "لا أستطيع سماع الموسيقى بانتظام لأنها تثير أعصابي. ومع ذلك لطالما تعجبت كيف بمقدور البشر الذين يعيشون في هذا الجحيم، خلق هذا الجمال”.
* نُشر هذا المقال في صحيفة Russia Beyond بنسختها الفرنسية 12/1/2023.