تحقيق: حمزة دعنا – "انتقل إلى رحمة الله تعالى والدي قبل عدة أسابيع في أحد المستشفيات الحكومية في عمان، وفور الإعلان عن الوفاة انهالت علي العديد من الكروت لتقديم خدمات التغسيل والتكفين والنقل”، بحسب المواطن سعيد العمري.
"هنا وقعت في حيرة من أمري، أي العروض سأختار، ليتم الاتفاق مع أحد الأشخاص المتواجدين أمام قسم الطب الشرعي على مبلغ 70 دينارا للتغسيل والتكفين فقط”.
"جثمان والدي يمكث في ثلاجة الموتى منتظرا تغسيله وتكفينه، خرجت من الغرفة لمناداة المغسل، أطفأ سيجارته على عجل ودخل الغرفة للمباشرة في عمله المتفق عليه، بدأ بالتغسيل وتقليب الميت بطريقة استفزازية وكأنه أول مرة يفعل ذلك”.
"ردة فعلي والدموع تنهال من عيني على فراق والدي، هي إجبار المغسل على التوقف عن إكمال عمله، لكنه قابل ذلك بالرفض الشديد، الأمر الذي دفعني لإعطائه مبلغ 50 دينارا للتوقف، وافق المغسل شريطة نقل الميت إلى المقبرة بواسطة إحدى الباصات المتوقفة أمام الطب الشرعي”.
"أعدت والدي إلى ثلاجة الموتى، وسريعا قام أخي بالاتصال بأحد المراكز المرخصة لخدمات الجنائز، وخلال نصف ساعة جاء المغسل الذي تم الاتفاق معه على مبلغ 60 دينارا للتغسيل والتكفين والنقل إلى المقبرة”.
"هنا بدأ الصراخ يعلو من أمام الغرفة، لأتفاجأ بأن المغسلين بدءا بالشجار حول أحقية من بالتغسيل، هذا يقول إنها منطقتي ولا أسمح لأحد بالتعدي عليها، وذلك يقول أنا مغسل مرخص وأعمل لدى مركز مرخص، لا يحق لك منعي من القيام بعملي”.
انتهت قصة العمري بعد اضطراره لتغسيل وتكفين ونقل جثمان والده من قبل ذلك الشخص الذي يدعي بأنه مغسل مقابل 120 دينارا.
من هذه القصة بدأت شرارة التحقيق الاستقصائي، لتكشف "الغد” وعلى مدار شهرين من إعدادها للتحقيق، عن وجود "مافيات” تسيطر على باحات أقسام الطب الشرعي في المستشفيات الحكومية وهي لا تملك أي تراخيص أو مؤهلات شرعية تسمح لها بالقيام بعملها.
عند لحظة الإعلان عن الوفاة في أي مستشفى حكومي كان، تجد العديد من الأشخاص ممن يمتهنون التغسيل والتكفين دون دراية أو علم بأسس هذا العمل، يفترشون باحات قسم الطب الشرعي في المستشفى الحكومي بهدف اصطياد أي شخص واستغلاله.
كشف مُعدّ التحقيق، عن قيام بعض الأشخاص ممن يحملون قيوداً بتعاطي المخدرات والشروع بالقتل، بتغسيل وتكفين الموتى بهدف الحصول على أجر مرتفع دون وجود رقابة من أي جهة حكومية على هؤلاء الأشخاص.
باصات تتجول في باحات المستشفيات تقوم بنقل الموتى دون حصولها على تراخيص رسمية للقيام بهذا العمل، "الغد” وبالتعاون مع الجهات الأمنية استطاعت حصر أكثر من 25 باصا تقوم بنقل الموتى دون تراخيص.
لا ينتهي الأمر عند المستشفيات الحكومية، فـ”تجار الموت” لديهم "سماسرة” في المستشفيات الخاصة يقومون بالاتفاق معهم على تغسيل الموتى مقابل حصولهم على مبلغ 20 دينارا على الجثة.
جولة بين ثلاجات الموتى
قامت "الغد” بإجراء جولة ميدانية على ثلاثة مستشفيات حكومية، للكشف عن واقع وجود "مافيات” تسيطر على باحاتها من خلال نشر أفرادها سيرا على الأقدام واصطفاف باصاتها غير المرخصة أمام أقسام الطب الشرعي، لاصطياد المكلومين المضطرين لإتمام إجراءات الجنازة دون معرفتهم بتفاصيل ذلك.
لحظة الإعلان عن الوفاة، وعلى الفور تنهال عليك العديد من البطاقات التعريفية من أشخاص ينتظرون هذه اللحظة أمام قسم الطب الشرعي لعرض خدماتهم بشكل سريع، يقف المكلوم أمام خيارين، أولها؛ الموافقة على خدماتهم مقابل أي ثمن لإنهاء مراسم الجنازة، والثاني التفكير بالاتصال بأحد المراكز لتقوم بإجراء التغسيل والتكفين والنقل.
الخيار الأول، ستقدم لك الخدمة بأسعار مرتفعة ومن أشخاص غير مرخصين وغير مؤهلين ومن أصحاب السوابق، أما انتقاء الخيار الثاني ستواجه بأشخاص مرخصين يخافون القدوم للمستشفى جراء وجود تلك "المافيات” التي تسيطر على المكان.
الجو العام أمام أقسام الطب الشرعي في المستشفيات الحكومية، "ضجيج” و”أشخاص يجلسون على الأرصفة” و”باصات غير مرخصة” و”شجار بين أشخاص على التغسيل” و”وبكاء على من مات”، جميع هذه المشاهد موجودة في أغلب أقسام الطب الشرعي في المستشفيات الحكومية.
التهديد ديدن المافيات
تمكنت "الغد” من التدقيق أمنياً على بعض الأشخاص ممن يمتهنون تغسيل الموتى دون حصولهم على تراخيص قانونية أو تأهيل شرعي للقيام بذلك العمل، لتجد أن أحد الأشخاص بحقه عدة قيود تعاط للمخدرات وشخص آخر عليه قيد شروع بالقتل.
في صبيحة يوم الجمعة الموافق 27/1/2023 ورد اتصال هاتفي لمعد التحقيق من أحد العاملين المرخصين في هذا القطاع مفاده، "نحن ننتظرك أمام المستشفى لترى بأم عينك عمل المافيات”، على الفور ذهب المعد للمستشفى، ليجد بأن مغسلا مرخصا يتشاجر مع مغسل غير مرخص.
تتلخص وقائع القصة بأن شاباً يدعى أحمد، ذهب إلى أحد المراكز المرخصة للاتفاق معهم على مبلغ 60 دينارا لتغسيل وتكفين ونقل والده الذي وافته المنية داخل المستشفى يوم الخميس، ولحظة الوصول إلى قسم الطب الشرعي تفاجأ أحمد بأن أحد الأشخاص قام بتغسيل وتكفين والده دون معرفته ولا انتظار موافقته.
المغسل غير المرخص والذي بادر إلى تغسيل وتكفين والد أحمد طلب منه مبلغ 100 دينار جراء عمله، ولم ينته عند هذا الحد، بل أصر على نقل الميت إلى المقبرة بباص غير مرخص لهذه الغاية مقابل مبلغ 50 دينارا، الأمر الذي رفضه الشاب، مطالباً بنقل والده بباص المركز المرخص، هنا حدثت المشكلة، ليقوم المغسل غير المرخص بتهديد المغسل المرخص بضربه وإخراجه بالقوة بحجة أن هذا المستشفى تحت سيطرته ولا يجوز لأي شخص العمل به، الأمر الذي وصل للعراك بالأيدي، وجثمان والد أحمد الملتف بالكفن ينتظر أحدا لنقله إلى المقبرة.
سماسرة في مستشفيات خاصة
يختلف الواقع في بعض المستشفيات الخاصة عن الحكومية، إذ ترى في الحكومية أشخاصا كثرا يقفون أمام مراكز الطب الشرعي لعرض خدماتهم الأمر الذي يعتبر ممنوعا في المستشفيات الخاصة، فهنالك مندوبون عن "المافيات” يبدو أن بعضهم من العاملين في الخدمات المساندة في المستشفى.
من يسيطرون على ثلاجات الموتى في تلك المستشفيات الخاصة، يجبرون الأهالي على تغسيل وتكفين ونقل الميت من قبل أشخاص معينين يتعاملون معهم للحصول على مبالغ مالية مقابل ذلك.
هؤلاء الأشخاص وفقاً لما وصلت إليه "الغد”، يتقاضون على كل جثمان مبلغ 20 دينارا من قبل "المافيات” غير المرخصة مقابل تلزيمهم بتغسيل وتكفين ونقل الميت.
في حال عدم موافقة أهل الميت على عرض "السمسار”، يقوم بتأخير مراسم الجنازة لوقت العصر، الأمر الذي يجبر الأهالي على دفع مبالغ إضافية للتسريع بمراسم الجنازة.
مدير أحد المستشفيات الخاصة، الذي فضل عدم ذكر اسمه، قال في تصريح مقتضب لـ”الغد”، "دور المستشفيات الخاصة هو تنظيمي وينحصر بإعطاء الجثة لأهلها ولا علاقة لنا بأسعار تغسيل وتكفين ونقل الموتى، فهنالك حرية بالاختيار من قبل أهالي المتوفين”.
باصات غير مرخصة تنقل الأموات
بدورها، قامت "الغد” وعلى مدار شهرين، بجرد على الباصات التي تقوم بنقل الموتى، لتتمكن من جمع إحصائية تؤكد وجود أكثر من 25 باصا، (مع وجود أرقام لوحاتها وأنواعها لدى "الغد”)، تقوم بنقل الموتى دون حصولهم على ترخيص بذلك.
وتم التأكد من عدم حصول تلك الباصات على تراخيص بنقل الموتى بالتعاون مع الجهات الأمنية.
"فوضى” بأسعار التكفين والتغسيل والنقل
وصلت "الغد” للتكلفة الحقيقية لأسعار التغسيل والتكفين والنقل، وما تقوم به "المافيات”، من استغلال لظروف أهالي الموتى لطلب أسعار مضاعفة عن المراكز المرخصة، إذ تتراوح تكلفة الكفن الواحد من القماش من أربعة دنانير ونصف إلى خمسة دنانير، يضاف إليها زجاجة عطر بقيمة نصف دينار، و”صابونة الوزير”، بقيمة 10 قروش، و”ليفة” تغسيل بقيمة 50 قرشاً وكيس قطن بسعر ربع دينار، وكمية قليلة جدا من مادة الكافور بقيمة نصف دينار، لتكون القيمة الإجمالية 7 دنانير، وتقدم الخدمة من "المافيات” غير المرخصة بأسعار تصل إلى 40 دينارا للكفن فقط.
أما عن التغسيل، فأجرة المغسل المتعارف عليها بين المراكز المرخصة تصل لـ10 دنانير، لتبلغ القيمة الحقيقية للتغسيل والتكفين دون النقل حوالي 17 دينارا، إلا أن "المافيات” غير المرخصة تطلب من أهالي الموتى مبالغ تصل إلى 100 دينار دون النقل.
العرف الدارج حول قيمة نقل الموتى بين المراكز المرخصة لخدمة الجنائز، هي 20 دينارا من أي مستشفى داخل حدود عمان إلى مقبرة سحاب الإسلامية، إلا أن تلك "المافيات” تطلب من أهالي الموتى بدل نقل مبالغ تصل إلى 50 دينارا.
باختصار؛ إن الفرق في أسعار تقديم خدمة الجنائز من تغسيل وتكفين ونقل بين المراكز المرخصة و”المافيات” غير المرخصة تصل إلى 100 دينار للحالة الواحدة.
الكافور والتلاعب والغش
بعد ارتفاع أسعار مادة الكافور التي تدخل في تغسيل الأموات لورود أحاديث نبوية شريفة بذلك، قامت "المافيات” التي تدعي معرفتها بالتغسيل وغير المرخصة، بتبديلها بمادة "ملح الليمون”، الذي يشبه مادة الكافور إلى حد كبير، بحسب ما وصلت إليه "الغد” من جولاتها الميدانية.
والكافور، هي شجرة كبيرة معمرة دائمة الخضرة يصل ارتفاعها إلى 50 متراً وذكرت في القرآن الكريم، ووصل سعر الكيلو الواحد من المادة المستخرجة من تلك الشجرة والتي تستخدم في تغسيل الموتى إلى 40 دينارا في حين كان سعره 8 دنانير للكيلو قبل جائحة كورونا.
لا يتنهي الغش عند تبديل مادة الكافور بملح الليمون، بل يصل إلى حد استخدام "ليفة” التغسيل لأكثر من مرة ولأكثر من ميت، إذ يصل استعمالها لعشر مرات بعد غسلها جيدا، ناهيك عن قص الأكفان بطريقة معينة للتوفير بالأقمشة المستخدمة في التكفين بحسب ما كشفته "الغد” من أحد العاملين في القطاع من غير المرخصين.
الحُكم الشرعي
وجهت "الغد” عددا من الاستفسارات لدائرة الافتاء العام، منها؛ شروط وجود مؤهلات شرعية لمغسل الموتى وهل يجب الحصول على تصريح من الدائرة للسماح لأي شخص بالتغسيل، وما حكم من يقوم بالتغسيل دون دراية وبهدف الحصول على أجر.
وردت "الإفتاء” على تلك الاستفسارات، بأن "غسل الميت من فروض الكفاية على المسلمين، والأولى بغسل الميت أقاربه، ويجوز لهم أن يستأجروا من يقوم بهذا الواجب عنهم، ويجوز للمسلم أن يأخذ الأجر على ذلك خاصة إذا تفرَّغ لها، لكن يشترط لصحة أخذ الأجرة أن يكون المغسل متقناً لأحكام الغسل”.
وحول سبيل إتقان التغسيل، قالت الدائرة، "يجب أن يكون المغسل لديه أهلية شرعية من جهة شرعية موثوقة تشهد له بأهليته لممارسة هذه المهنة، ويشترط أن يغسل الرجل الرجل والمرأة النساء”.
و”يفضل أن يكون الغاسل أميناً، فإن رأى خيراً أظهره، وإن رأى غير ذلك ستره، ولا يجوز للمغسل أن ينظر إلى عورة الميت مطلقاً، وألا ينظر إلى باقي جسده إلا للحاجة”، بحسب "الإفتاء”.
وحول الحكم الشرعي لمن يقوم بتغسيل دون دراية الموتى، أكدت "الإفتاء” لـ”الغد”، أن "من يقوم بتغسيل وتكفين الموتى دون دراية ومؤهل شرعي، فإنه آثم أمام الله عز وجل”.
وحصلت "الغد” على كتاب رسمي صادر عن دائرة الإفتاء العام ردا على كتاب من محافظ العاصمة لإبداء الرأي الشرعي بخصوص أهلية أحد الأشخاص للعمل في تغسيل الموتى خلال العام 2018، لتقول الدائرة: "بعد إجراء الفحص الشفهي للشخص المذكور تبينت أهليته للعمل في تغسيل الموتى وعليه لا حرج في السماح له بذلك”.
"الغد” أطلعت دائرة الإفتاء على الكتاب الصادر منهم، لتقول: "في السابق كان يصل لنا كتب من المحافظين في شتى المناطق لإجراء فحوصات شفهية وإبداء الرأي الشرعي للأشخاص الراغبين في العمل بتغسيل الموتى لكن ومنذ أكثر من 5 أعوام لم يصلنا أي كتاب في هذا الشأن”.
وأبدت الدائرة استعدادها في حال رغبة أي جهة باستشارتها لبيان الرأي الشرعي في مدى أهلية المتقدم لوظيفة مغسل الموتى.
بدورها تواصلت "الغد” مع محافظ العاصمة ياسر العدوان، حول الكتاب الموجه للمحافظة خلال العام 2018، حول أهلية أحد الاشخاص بتغسيل الموتى والرأي الشرعي بذلك، ليقول: "منذ استلامي لمحافظة العاصمة منذ عام ونصف لم أتلق أي طلب حول رغبة أي شخص بالعمل بتغسيل الموتى.
أعداد الجنائز
كشفت أمانة عمان الكبرى في إحصائية خاصة بالتحقيق الإستقصائي عن أعداد حالات الدفن في المقابر التابعة لحدود الأمانة، إذ بلغ عدد الوفيات في مقبرة سحاب الإسلامية منذ بداية الدفن في العام 1977 ولغاية شهر كانون الثاني من العام الحالي (180650) وفاة، بمعدل يومي للجنائز في مقبرة سحاب 25 جنازة.
في حين بلغ عدد حالات الدفن في مقبرة شمال عمان، منذ بداية الدفن في شهر تشرين الثاني من العام 2014 ولغاية شهر كانون الثاني من العام 2023، (51609) وفاة، بمعدل 3 جنائز في اليوم.
وحول شروط منح الأشخاص تراخيص من قبل أمانة عمان الكبرى لإنشاء مراكز متخصصة في خدمات الجنائز، قالت الأمانة هنالك العديد من الشروط الصحية الواجب توافرها قبل منح التراخيص وهي من مهمة دائرة تراخيص المهن في أمانة عمان.
وأكدت الأمانة في ردها على استفسارات "الغد”، على متابعتها الحثيثة من قبل مفتشي المهن والصحة للتراخيص الممنوحة للأشخاص، إذ يتم مخالفة أي متجاوز للقوانين حسب قانون رخص المهن/ قانون أمانة عمان.
رأي الطب الشرعي
اكتفى المركز الوطني للطب الشرعي بتصريح مقتضب مفاده، "لا علاقة للطب الشرعي بتغسيل وتكفين الموتى ويحق لأهل الميت السماح لمن أرادوا بتغسيل ميتهم دون الحصول على موافقة من المركز بذلك”.
عدد الشركات المرخصة
قامت "الغد” بالبحث في موقع وزارة الصناعة والتجارة عن عدد الشركات المرخصة لغايات تجهيز الجنائز وتغسيل وتكفين ونقل الموتى، لتجد أن هناك 48 مركزا مسجلا لغايات تجهيز ودفن الموتى، 30 مركزا منها ما زال قائماً و 18 مركزا تم فسخها.
وكشفت "الغد” عن قيام العديد من الأشخاص بتقديم طلب بتسجيل شركة لدى وزارة الصناعة والتجارة لغايات خدمات الجنائز، ويكتفون بهذا الطلب كذريعة على أنهم يعملون بطرق قانونية أمام عامة الناس.
شروط الترخيص
حصلت "الغد” على عدة كتب رسمية تبين ماهية شروط حصول أي شخص على موافقات ترخيص مركز خدمات الجنائز وتغسيل وتكفين ونقل الموتى، ليأتي في أول كتاب صادر عن أمين عام دائرة الإفتاء العام ردا على كتاب صادر عن محافظ العاصمة في العام 2018، "إشارة إلى كتابكم المتضمن إبداء الرأي الشرعي بخصوص أهلية… للعمل في تغسيل الموتى، وبعد إجراء الفحص الشفهي للشخص المذكور تبينت أهليته للعمل في تغسيل الموتى، وعليه لا حرج في السماح له بذلك”.
وفي كتاب آخر تبين ضرورة وجود شهادة تسجيل اسم تجاري صادرة عن مديرية السجل المركزي في وزارة الصناعة والتجارة والتموين، كما يجب ضرورة وجود موافقة من الدفاع المدني ووزارة الصحة ووزارة الداخلية وأمانة عمان الكبرى ووزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية.
شهادات في أروقة المحاكم
واطلعت "الغد” على قرارات صدرت عن المحاكم الأردنية تفيد وجود عدد من الدعاوى ضد أشخاص يقومون بتغسيل وتكفين ونقل الموتى مقابل أجر مالي، دون حصولهم على تراخيص وموافقات رسمية.
يقول أحد المشتكين لدى المحكمة، "حصلت على كافة التراخيص الممكنة لإنشاء مركز لتجهيز الموتى وحصلت على موافقة من وزارة الصحة ووزارة الداخلية ووزارة الأوقاف ووزارة البلديات ووزارة التجارة وقمت بمزاولة عملي بالطرق القانونية، وبعد فترة تفاجأت بقيام أحد موظفي مستشفى حكومي بغسل الموتى وتكفينهم ويطلب سيارة لنقلهم إلى المقبرة وحجز قبر للميت مقابل أجر مالي ودون حصوله على تراخيص وموافقات لذلك”.
ويضيف خلال شهادته، "عندما أحضر الى المستشفى بناء على طلب أهل المتوفى أتفاجأ بقيام هذا الموظف الذي يعمل في قسم التشريح، بتقديم عرض مالي أقل، علماً أن الخدمات المقدمة من قبلي، تغسيل كامل وتكفين ونقل مقابل 80 دينارا، إلا أن الموظف يقدم سعر 70 دينارا، ومن ثم يقوم بطلب إكرامية نتيجة تعبه لتصل القيمة إلى 150 دينارا”.
شهادة ثانية أطلقها أحد المشتكين في المحكمة، "قبل شهرين توفيت حماتي أم زوجتي في مستشفى حكومي، واتفقت مع مركز متخصص بتقديم خدمات الجنائز لإرسال مغسلة للمباشرة بإجراءات التغسيل والتكفين ومن ثم النقل، ما أن وصلت المغسلة للمستشفى، قام أحد الأشخاص وهو مشتكى عليه بإخراجها بالقوة والتهديد، الأمر الذي دفعها للرجوع”.
المشتكى عليه غير المرخص لتقديم خدمات الجنائز، وخلال بضع دقائق قام بإحضار إحدى المغسلات التابعات له والتي تقطن بجانب المستشفى، وتم الاتفاق مع أهل المتوفية على مبلغ 45 دينارا لإنهاء إجراءات التغسيل والتكفين، بحسب قرار المحكمة.
شهادة ثالثة تتلخص أحداثها، بوفاة شخص يحمل جنسية عربية داخل أحد المستشفيات الحكومية، واتفق أبناء المتوفى مع أحد المراكز المرخصة لإتمام إجراءات التغسيل والتكفين والنقل، وبعد وصول مندوب المركز تفاجأ بقيام أحد الأشخاص المتواجدين أمام قسم الطب الشرعي بتغسيل وتكفين الميت على أساس أنه من المركز، وحصل على مبلغ 50 دينارا مقابل ما قام به”.
لم ينته عمل من يدعي معرفته بالتغسيل والتكفين هنا، بل اتفق مع أهل المتوفى على نقل الجثمان إلى المقبرة بواسطة باص غير مرخص يعود لصديقه المتواجد دائما أمام المستشفى مقابل 50 دينارا إضافية، الأمر الذي دفع مندوب المركز إلى تقديم شكوى للجهات المعنية بعد نشوب مشاجرة أمام أهل المتوفى أسفرت عن إصابتين.
لا تشكل أعمال "تجار الموت” غير المرخصين انتهاكا لحرمة الموتى ومساسا بمشاعر ذوي المتوفين فقط؛ بل تحولت كما ثبت بالتحقيق إلى باب للمشاجرات والغش واستغلال ظروف وحاجة الناس المكلومين، الأمر الذي يتطلب تدخلا مباشرا وسريعا من الجهات الرسمية لتنظيم العملية برمتها.